تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ١٢٥
وإما للمبالغة في إيجاب المأمور به وإما المراد بالبيان المأمور به ذكر الآيات الناطقة بنبوته عليه الصلاة والسلام وبالكتمان المنهى عنه إلقاء التأويلات الزائغة والشبهات الباطلة وقرئ بالياء كما قبله «فنبذوه» النبذ الرمي والإبعاد أي طرحوا ما أخذ منهم من الميثاق الموثق بفنون التأكيد وألقوه «وراء ظهورهم» ولم يراعوه ولم يلتفتوا إليه أصلا فإن نبذ الشئ وراء الظهر مثل في الاستهانة به والإعراض عنه بالكلية كما أن جعله نصب العين علم في كمال العناية به وفيه من الدلالة على تحتم بيان الحق على علماء الدين وإظهار ما منحوه من العلم للناس أجمعين وحرمه كتمانه لغرض من الأغراض الفاسدة أو لطمع في عرض من الأعراض الفانية الكاسدة مالا يخفى وعن النبي صلى الله عليه وسلم من كتم علما عن أهله ألجم بلجام من نار وعن طاوس أنه قال لوهب بن منبه إني أرى الله سوف يعذبك بهذه الكتب وقال والله لو كنت نبيا فكتمت العلم كما تكتمه لرأيت أن الله سيعذبك وعن محمد بن كعب لا يحل لأحد من العماء أن يسكت على علمه ولا يحل لجاهل ان يسكت على جهلة حتى يسأل وعن على رضي الله عنه ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا «واشتروا به» أي بالكتاب الذي أمروا ببيانه ونهوا عن كتمانه فإن ذكر نبذ الميثاق يدل على ذلك دلالة واضحة وإيقاع الفعل على الكل مع ان المراد به كتم بعضه كدلائل نبوته عليه الصلاة والسلام ونحوها لما أن ذلك كتم للكل إذ به يتم الكتاب كما أن رفض بعض أركان الصلاة رفض لكلها أو بمنزلة كتم الكل من حيث إنهما سيان في الشناعة واستجرار العقاب كما في قوله تعالى «وإن لم تفعل فما بلغت رسالته» والاشتراء مستعار لاستبدال متاع الدنيا بما كتموه أي تركوا ما أمروا به وأخذوا بدله «ثمنا قليلا» أي شيئا تافها حقيرا من حطام الدنيا وأعراضها وفي تصوير هذه المعاملة بعقد المعاوضة لا سيما بالاشتراء المؤذن بالرغبة في المأخوذ والإعراض عن المعطى والتعبير عن المشترى الذي هو العمدة في العقد والمقصود بالمعاملة بالثمن الذي شأنه أن يكون وسيلة إليه وجعل الكتاب الذي حقه أن يتنافس فيه المتنافسون مصحوبا بالباء الداخلة على الالآت والوسائل من نهاية الجزالة والدلالة على كمال فظاعة حالهم وغاية قبحها بإيثارهم الدنئ الحقير على الشريف الخطير وتعكيسهم بجعلهم المقصد الأصلي وسيلة والوسيلة مقصدا ما لا يخفى جلالة شأنه ورفعه مكانه «فبئس ما يشترون» ما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس ويشترون صفته والمخصوص بالذم محذوف أي بئس يشترونه ذلك الثمن «لا تحسبن» الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يصلح له «الذين يفرحون بما أتوا» أي بما فعلوا كما في قوله تعالى إنه كان وعده مأتيا ويدل عليه قراءة أبي يفرحون بما فعلوا وقرئ بما آتوا بمعنى أعطوا وبما أوتوا أي أي بما أوتوه من علم التوراة قال ابن عباس رضي الله عنهما هم اليهود حرفوا التوراة وفرحوا بذلك وأحبوا أن يوصفوا بالديانة والفضل روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن شئ مما في التوراة فكتموا
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254