تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ١١٦
النهى عن التأثير نهى عن التأثر بأصله ونفى له بالمرة وقد يوجه النهى إلى اللازم والمراد هو النهى عن الملزوم كما في قولك لا أرينك ههنا وقرأ لا يحزنك من أحزن المنقول من حزن بكسر الزاي والمعنى واحد وقيل معنى حزنه جعل فيه حزنا كما في دهنه أي جعل فيه دهنا ومعنى أحزنه جعله حزينا وقيل معنى حزنه أحدث له الحزن ومعنى أحزنه عرضه للحزن «إنهم لن يضروا الله» تعليل للنهي وتكميل للتسلية بتحقيق نفى ضررهم أبدا أي لن يضروا بذلك أولياء الله البتة وتعليق نفى الضرر به تعالى لتشريفهم والإيذان بان مضارتهم بمنزلة مضارته سبحانه وفيه مزيد مبالغة في التسلية وقوله تعالى «شيئا» في حيز النصب على المصدرية أي شيئا من الضرر والتنكير لتأكيد ما فيه من القلة والحقارة وقيل على نزع الجار أي بشئ ما أصلا وقيل المعنى لن ينقصوا بذلك من ملكه تعالى وسلطانه شيئا كما روى أبو ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يقول الله تعالى لو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ولو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا والأول هو الأنسب بمقام التسلية والتعليل «يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة» استئناف مبين لسر ابتلائهم بما هم فيه من الانهماك في الكفر وفي ذكر الإرادة من الإيذان بكمال خلوص الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم حيث تعلقت بهما إرادة أرحم الراحمين مالا يخفى وصيغة الاستقبال للدلالة على دوام الإرادة واستمرارها أي يريد الله بذلك ان لا يجعل لهم في الآخرة حظأ من الثواب ولذلك تركهم في طغيانهم يعمهون إلى أن يهلكوا على الكفر «ولهم» مع ذلك الحرمان الكي «عذاب عظيم» لا يقادر قدرة قيل ما دلت المسارعة في الشئ على عظم شأنه وجلالة قدره عند المسارع وصف عذابه بالعظم رعاية للمناسبة وتنبيها على حقارة ما سارعوا فيه وخساسته في نفسه والجملة إما مبتدأة مبينة لحظهم من العقاب إثر بيان أن لا شئ لهم من الثواب وإما حال من الضمير في لهم أي يريد الله حرمانهم من الثواب معدا لهم عذاب عظيم «إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان» أي أخذوه بدلا منه رغبة فيما أخذوه وإعراضا عما تركوه وقد مر تحقيق القول في هذه الاستعارة في تفسير قوله عز وجل «أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى» مستوفى «لن يضروا الله شيئا» تفسيره كما مر غير أن فيه تعريضا ظاهرا باقتصار الضرر عليهم كأنه قيل وإنما يضرون أنفسهم فإن جعل الموصول عبارة عن المسارعين المعهودين بأن يراد باشتراء الكفر بالإيمان إيثاره عليه إما بأخذه بدلا من الإيمان الحاصل بالفعل كما هو حال المرتدين أو بالقوة القريبة منه الحاصلة بمشاهدة دلائله في التوراة كما هو شأن اليهود ومنافقيهم فالتكرير لتقرير الحكم وتأكيده ببيان علته بتغيير عنوان الموضوع فإن ما ذكر في حيز الصلة من الاشتراء المذكور صريح في لحوق ضرره بأنفسهم وعدم تعديه إلى غيرهم أصلا كيف لا وهو علم في الخسران الكلى والحرمان الأبدي دال على كمال سخافة عقولهم وركاكة آرائهم فكيف يتأتى منهم ما يتوقف على قوة الحزم ورزانة الرأي ورصانة التدبير من مضارة حزب الله تعالى وهي أعز من الأبلق الفرد وأمنع من عقاب الجو وإن أجرى الموصول على
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254