تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٧٧
الاكتساب في جانب الشر لما فيه من اعتمال ناشئ من اعتناء النفس بتحصيل الشر وسعيها في طلبه «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا» شروع في حكاية بقية دعواتهم إثر بيان سر التكليف أي لا تؤاخذنا بما صدر عنا من الأمور المؤدية إلى النسيان أو الخطأ من تفريط وقلة مبالاة ونحوهما مما يدخل تحت التكليف أو بأنفسهما من حيث ترتبهما على ما ذكر أو مطلقا إذ لا امتناع في المؤاخذة بهما عقلا فإن المعاصي كالسموم فكما أن تناولها ولو سهوا أو أخطأ مؤد إلى الهلاك فتعاطى المعاصي أيضا لا يبعد أن يفضى إلى العقاب وأن لم يكن عن عزيمة ووعده تعالى بعدمه لا يوجب استحالة وقوعه فإن ذلك من آثار فضله ورحمته كما ينبئ عنه الرفع في قوله عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وقد روى أن اليهود كانوا إذا نسوا شيئا عجلت لهم العقوبة فدعاؤهم بعد العلم بتحقق الموعود للاستدامة والاعتداد بالنعمة في ذلك كما في قوله تعالى «ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك» «ربنا ولا تحمل علينا إصرا» عطف على ما قبله وتوسيط النداء بينهما لإبراز مزيد الضراعة والإصر العبء الثقيل الذي يأصر صاحبة أي يحبسه مكانه والمراد به التكاليف الشاقة وقيل الإصر الذنب الذي لا توبة له فالمعنى اعصمنا من اقترافه وقرئ آصار أو قرئ ولا تحمل بالتشديد للمبالغة «كما حملته على الذين من قبلنا» في حيز النصب على أنه صفة لمصدر محذوف أي حملا مثل حملك إياه على من قبلنا أو على أنه صفة لإصرا أي إصرا مثل الإصر الذي حملته على من قبلنا وهو ما كلفه بنو إسرائيل من بخع النفس في التوبة وقطع موضع النجاسة وخمسين صلاة في يوم وليلة وصرف ربع المال للزكاة وغير ذلك من التشديدات فإنهم كانوا إذا اتوا بخطيئة حرم عليهم من الطعام بعض ما كان حلالا لهم قال الله تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وقد عصم الله عز وجل بفضله ورحمته هذه الأمة عن أمثال ذلك وأنزل في شأنهم ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم وقال صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السهلة السمحة وعن العقوبات التي عوقب بها الأولون من المسخ والخسف وغير ذلك قال صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخسف والمسخ والغرق «ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به» عطف على ما قبله واستعفاء عن العقوبات التي لا تطاق بعد الاستعفاء عما يؤدى إليها التفريط فيه من التكاليف الشاقة التي لا يكاد من كلفها يخلو عن التفريط فيها كأنه قيل لا تكلفنا تلك التكاليف ولا تعاقبنا بتفريطنا في المحافظة عليها فيكون التعبير عن إنزال العقوبات بالتحميل باعتبار ما يؤدى إليها وقيل هو تكرير للأول وتصوير للإصر بصورة مالا يستطاع مبالغة وقيل هو استعفاء عن التكليف بما لا تفي به الطاقة البشرية حقيقة فيكون دليلا على جواره عقلا وإلا لما سئل التخلص عنه والتشديد ههنا لتعدية الفعل إلى مفعول ثان «واعف عنا» أي آثار ذنوبنا «واغفر لنا» واستر عيوبنا ولا تفضحنا على رؤوس الأشهاد «وارحمنا» وتعطف بنا وتفضل علينا وتقديم طلب العفو والمغفرة على طلب الرحمة لما ان التخلية سابقة على التحلية «أنت مولانا» سيدنا ونحن عبيدك أو ناصرنا أو متولى أمورنا «فانصرنا على القوم الكافرين» فإن من حق المولى أن ينصر عبده ومن يتولى امره على الأعداء والمراد به عامة الكفرة وفيه إشارة إلى ان إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله تعالى حسبما أمر في تضاعيف السورة الكريمة غاية مطالبهم روى أنه عليه الصلاة والسلام لما دعا
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271