واختلف القراء في قراءة قوله تعالى: (أو ننسها) فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: " ننسأها "، بنون مفتوحة، وأخرى ساكنة، وسين مفتوحة، وألف بعدها مهموزة، وهذه بمعنى التأخير، وأما قراءة نافع والجمهور: " ننسها "، من النسيان (1)، وقرأت ذلك فرقة إلا أنها همزت بعد السين (2)، فهذه بمعنى التأخير والنسيان في كلام العرب يجئ في الأغلب ضد الذكر، وقد يجيء بمعنى الترك، فالمعاني الثلاثة مقولة في هذه القراءات، فما كان منها يترتب في لفظة النسيان الذي هو ضد الذكر، فمعنى الآية به: ما ننسخ / من آية أو نقدر نسيانك لها، فإنا نأتي بخير منها لكم أو مثلها في المنفعة، وما كان على معنى الترك، أو على معنى التأخير، فيترتب فيه معان، أنظرها، إن شئت فإني آثرت الاختصار.
* ع (3) *: والصحيح أن نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الله أن ينساه، ولم يرد أن يثبته قرآنا - جائز، فأما النسيان الذي هو آفة في البشر، فالنبي صلى الله عليه وسلم معصوم منه قبل التبليغ، وبعد التبليغ، ما لم يحفظه أحد من أصحابه، وأما بعد أن يحفظ، فجائز عليه ما يجوز على البشر لأنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ، وأدى الأمانة، ومنه الحديث، حين أسقط آية، فلما فرغ من الصلاة قال: " أفي القوم أبي؟ قال: نعم، يا رسول الله، قال: فلم لم تذكرني؟ قال:
حسبت أنها رفعت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لم ترفع، ولكني نسيتها " (4).
وقوله تعالى: (ألم تعلم): معناه: التقرير، ومعنى الآية أن الله تعالى ينسخ ما شاء، ويثبت ما شاء، ويفعل في أحكامه ما شاء، هو قدير على ذلك، وعلى كل شئ، وهذا لإنكار اليهود النسخ، وقوله: (على كل شئ) عموم، معناه الخصوص، إذ لا تدخل فيه الصفات القديمة، بدليل العقل، ولا المحالات، لأنها ليست بأشياء، والشيء في كلام العرب: الموجود، و (قدير): اسم فاعل على المبالغة، قال القشيري (5): وإن من علم