ترتبط بالإرادة وعلى أن الحسن والقبح في الأحكام إنما هو من جهة الشرع لا بصفة نفسية والتخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به لأن المخصص لم يتناوله العموم قط وقول تناوله العموم لكان نسخا والنسخ لا يجوز في الأخبار وإنما هو
٦٤)، " الإبهاج " لابن السبكي (١ / ٦١، ١٣٨)، " الآيات البينات " لابن قاسم العبادي (١ / ٨٧ - ٨٨)، " تخريج الفروع " (٢٤٤)، " حاشية العطار على جمع الجوامع " (١ / ٧٧ - ٨١)، " المعتمد " لأبي الحسين (٢ / ٣٢٧)، " شرح التلويح على التوضيح " لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (١ / ١٧٣)، " نسمات الأسحار " لابن عابدين (٤٥)، " شرح المنار " لابن ملك (٣٥)، " ميزان الأصول " للسمرقندي (١ / ١٥٠ - ١٥١)، " الكوكب المنير " للفتوحي (٩٥).
(١) معلوم أن التخصيص و النسخ يشتركان في أن كل واحد منهما بيان ما لم يرد باللفظ، إلا أنهما يفترقان في أمور، وهي أن التخصيص يبنى أن العام لم يتناول المخصوص، و النسخ يرفع بعد الثبوت، و أن التخصيص لا يرد إلا على العام، و النسخ يرد عليه و على غيره. و أنه يجب أن يكون متصلا، و النسخ لا يكون إلا متراخيا. و أنه لا يجوز إلى أن لا يبقى شئ، و النسخ يجوز. و أنه قد يكون بأدلة السمع و غيرها، و النسخ لا يجوز إلا بالسمع. و أنه يكون معلوما و مجهولا. و النسخ لا يكون إلا معلوما. و أنه لا يخرج المخصوص منه من كونه معلوما به في مستقبل الزمان، و النسخ يخرج المنسوخ عن ذلك. وأنه يرد في الأخبار و الأحكام، و النسخ لا يرد إلا في الأحكام. و أن دليل الخصوص يقبل التعليل و دليل النسخ لا يقبله.
ينظر: " النسخ " لشيخنا إمام إبراهيم عيسى ص ٩١.
(٢) تنوعت آراء الأصوليين في موضوع النسخ، فمنهم من ذهب إلى أن النسخ كما يكون في الأوامر و النواهي يكون في الأخبار. و ينسب لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم و السدي حيث قالا: " قد يدخل النسخ على الأمر والنهي و على جميع الأخبار " و لم يفصلا، و تابعهما على هذا القول جماعة.
قال أبو جعفر: " و هذا القول عظيم جدا يئول إلى الكفر "، لأن قائلا لو قال: " قام فلان " ثم قال: " لم يقم " ثم قال: " نسخته " لكان كاذبا.
و بعضهم ذهب إلى أن أمر الناسخ و المنسوخ موكول إلى الإمام، فله أن ينسخ ما شاء. و هذا القول أعظم، لأن النسخ لم يكن إلى النبي صلى الله عليه وآله و سلم إلا بالوحي من الله (تعالى)، إما بقرآن مثله على قول قوم، و إما يوحي من غير القرآن، فلما ارتفع هذا بموت النبي صلى الله عليه وآله و سلم ارتفع النسخ.
و منهم من ذهب إلى أن النسخ يكون في الأوامر و النواهي، و أما الأخبار فيفصل فيها بين ما فيه حكم، فيجوز النسخ فيه، و بين ما لا حكم فيه، فلا يجوز.
و منهم من ذهب إلى أن النسخ يكون في الأوامر و النواهي خاصة.
و هذا المذهب حكاه هبة الله بن سلامة عن مجاهد، و سعيد بن جبير، و عكرمة بن عمار.
و هناك مذهب خامس، عليه أئمة العلماء، و هو أن النسخ إنما يكون في المتعبدان، لأن لله (عز وجل) أن يتعبد خلقه بما شاء إلى أي وقت شاء، ثم يتعبدهم بغير ذلك، فيكون النسخ في الأوامر و النواهي و ما كان في معناهما مثل قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) [النور: 3] وقوله تعالى في سورة يوسف - عليه السلام -: (قال تزرعون سبع سنين دأبا) [يوسف: 47] فالأولى مثال للخبر الذي بمعنى النهي، لأن المعنى. لا تنكحوا زانية و لا مشركة.