إذ لكل كلمة علم، ثم يتضاعف ذلك أربعة، إذ لكل كلمة ظاهر وباطن، وحد ومطلع.
وبالجملة فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله تعالى وصفاته، وفى القرآن شرح ذاته وصفاته وأفعاله، فهذه الأمور تدل على أن فهم معاني القرآن مجالا " رحبا، ومتسعا بالغا، وأن المنقول من ظاهر التفسير ليس ينتهي الإدراك فيه بالنقل، والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير، ليتقى به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع الفهم ولاستنباط، والغرائب التي لا تفهم إلا باستماع فنون كثيرة. ولا بد من الإشارة إلى جمل منها ليستدل بها على أمثالها، ويعلم انه لا يجوز التهاون بحفظ التفسير الظاهر أولا، ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر.
ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر، فهو كمن ادعى البلوغ إلى صدر البيت قبل تجاوز الباب، فظاهر التفسير يجرى مجرى تعلم اللغة التي لا بد منها للفهم، وما لا بد فيها من استماع كثير، لأن القرآن نزل بلغة العرب، فما كان الرجوع فيه إلى لغتهم، فلا بد من معرفتها أو معرفة أكثرها، إذ الغرض مما ذكرناه التنبيه على طريق الفهم ليفتح بابه، ويستدل المريد بتلك المعاني التي ذكرناها من فهم باطن علم القرآن ظاهره، على أن فهم كلام الله تعالى لا غاية له، كما لا نهاية للمتكلم به، فأما الاستقصاء فلا مطمع فيه للبشر، ومن لم يكن له علم وفهم وتقوى وتدبر لم يدرك من لذة القرآن شيئا.
ومن أحاط بظاهر التفسير - وهو معنى الألفاظ في اللغة - لم يكف ذلك في فهم حقائق المعاني، ومثاله قوله تعالى: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، فظاهر تفسيره واضح، وحقيقة معناه غامضة، فإنه إثبات للرمي، ونفى له، وهما متضادان