في النظر، لا يحسن من البصير أن يقول: غلبتك أيها الأعمى بنظري، فإن للأعمى أن يقول:
إنما تم لك الغلبة لو كنت قادرا وكان نظرك أقوى من نظري، فأما إذا فقد أصل النظر فكيف تصح المعارضة!
فإن قلت: فلو كانت المعجزة شيئا " لا يقدر عليه البشر، كإحياء الموتى وأمثاله، فكيف كان ذلك أدعى إلى الانقياد قلت: هذا السؤال سبق الجواب عنه في الكلام، وإن أساليب الأنبياء تقع على نهج أساليب غيرهم.
فإن قلت: فما ذكرته يدل على أن عجز العرب عن معارضته وإنما كانت لصرف دواعيهم، مع أن المعارضة كانت مقدورة لهم.
قلت: قد ذهب بعض العلماء إلى ذلك، ولكن لا أراه حقا، ويندفع السؤال المذكور. وإن كان الإعجاز في القرآن بأسلوبه الخاص به، إلا أن الذين قالوا: بأن المعجز فيه هو الصرفة مذهبهم أن جميع أساليبه جميعا ليس على نهج أساليبهم، ولكن شاركت أساليبهم في أشياء:
منها أنه بلغتهم.
ومنها أن آحاد الكلمات قد كانوا يستعملونه في خطهم وأشعارهم، ولكن تمتاز بأمور أخر، منها غرابة نظمه الخاص الذي ليس مشابها لأجزاء الشعر وأوزانه وهزجه ورجزه وغير ذلك من ضروبه، فأما توالى نظمه من أوله إلى آخره، بأن يأتي بالأفصح والأملح، فهذا مما وقعت فيه المشاركة، لكلامهم فبذلك امتاز هذا المذهب عن مذهب من يقول: إنه كان جميعه مقدورا لهم وإنما صرفت دواعيهم عن المعارضة. انتهى.
وقد سبق اختيار القاضي أنه ليس على أساليبهم البتة فيبقى السؤال بحاله.