قوله تعالى: (إن هذين لساحران) قرأ أبو عمرو " إن هذين لساحران ". ورويت عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة، وكذلك قرأ الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وغيرهم من التابعين، ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري، فيما ذكر النحاس. وهذه القراءة موافقة للأعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم: في رواية حفص عنه " إن هذان " بتخفيف " إن " " لساحران " وابن كثير يشدد نون " هذان ". وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الاعراب، ويكون معناها ما هذان إلا ساحران. وقرأ المدنيون والكوفيون:
" إن هذان " بتشديد " إن " " لساحران " فوافقوا المصحف وخالفوا الاعراب. قال النحاس: فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة، وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ " إن هذان إلا ساحران " وقال الكسائي في قراءة عبد الله: " إن هذان ساحران " بغير لام، وقال الفراء في حرف أبي " إن ذان إلا ساحران " فهذه ثلاث قراءات أخرى تحمل على التفسير لا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف.
قلت: وللعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال ذكرها ابن الأنباري في آخر كتاب الرد له، والنحاس في إعرابه، والمهدوي في تفسيره، وغيرهم أدخل كلام بعضهم في بعض. وقد خطأها قوم حتى قال أبو عمرو: إني لأستحي من الله [تعالى] (1) أن أقرأ " إن هذان ".
وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن قوله تعالى " لكن الراسخون في العلم " (2) ثم قال: " والمقيمين " (2) وفي " المائدة " " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون " (2) [المائدة: 69] و " إن هذان لساحران " فقالت: يا بن أختي! هذا خطأ من الكاتب. وقال عثمان ابن عفان رضي الله عنه: في المصحف لحن وستقيمه العرب بألسنتهم. وقال أبان بن عثمان:
قرأت هذه الآية عند أبي عثمان بن عفان، فقال: لحن وخطأ، فقال له قائل: ألا تغيروه؟
فقال: دعوه فإنه لا يحرم حلالا ولا يحلل حرما. القول الأول من الأقوال الستة: أنها لغة بنى الحرث بن كعب وزبيد وخثعم. وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف،