وحكي عن العرب أنهم إذا أرادوا الرحيل عن منزل قالوا: احفظوا أنساءكم، الأنساء جمع نسي وهو الشئ الحقير يغفل فينسى. ومنه قول الكميت رضي الله تعالى عنه:
أتجعلنا جسرا لكلب قضاعة * ولست بنسي في معد ولا دخل وقال الفراء: النسي ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها، فقول مريم: " نسيا منسيا " أي حيضة ملقاة. وقرئ " نسيا " بفتح النون وهما لغتان مثل الحجر والحجر والوتر والوتر. وقرأ محمد بن كعب القرظي بالهمز: " نسئا " بكسر النون. وقرأ نوف البكالي: " نسئا " بفتح النون من نسأ الله تعالى في أجله أي أخره. وحكاها أبو الفتح والداني عن محمد بن كعب. وقرأ بكر بن حبيب:
" نسا " بتشديد السين وفتح النون دون همز. وقد حكى الطبري في قصصها أنها لما حملت بعيسى عليه السلام حملت أيضا أختها بيحيى، فجاءتها أختها زائرة فقالت: مريم أشعرت أنت أني حملت؟ فقالت لها: وإني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك، وذلك أنه روي أنها أحست بجنينها يخر برأسه إلى ناحية بطن مريم، قال السدي فذلك قوله: " مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين " (1) [آل عمران: 39]. وذكر أيضا من قصصها أنها خرجت فارة مع رجل من بني إسرائيل يقال له يوسف النجار، كان يخدم معها في المسجد وطول في ذلك. قال الكلبي: قيل ليوسف - وكانت سميت له أنها حملت من الزنى - فالآن يقتلها الملك، فهرب بها، فهم في الطريق بقتلها، فأتاه جبريل عليه السلام وقال له: إنه من روح القدس، قال ابن عطية: وهذا كله ضعيف. وهذه القصة تقتضي أنها حملت، واستمرت حاملا على عرف النساء (2)، وتظاهرت الروايات بأنها ولدته لثمانية أشهر. قاله عكرمة، ولذلك قيل: لا يعيش ابن ثمانية أشهر حفظا لخاصة عيسى. وقيل: ولدته لتسعة. وقيل: لستة.
وما ذكرناه عن ابن عباس أصح وأظهر. والله أعلم.
قوله تعالى: (فنادها من تحتها) قرئ بفتح الميم وكسرها. قال ابن عباس: المراد ب " - من " جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها، وقاله علقمة والضحاك وقتادة، ففي هذا لها آية وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة التي لله [تعالى] (3) فيها مراد عظيم. وقوله: