قوله تعالى: (فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا (1)) فيه مسألتان:
الأولى - قوله تعالى: (فهل نجعل لك خرجا) استفهام على جهة حسن الأدب.
" خرجا " أي جعلا. وقرئ: " خراجا " والخرج أخص من الخراج. يقال: أد خرج رأسك وخراج مدينتك. وقال الأزهري: الخراج يقع على الضريبة، ويقع على [مال] (2) الفئ، ويقع على الجزية وعلى الغلة. والخراج اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال. والخرج:
المصدر. وقوله تعالى: (على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) أي ردما، والردم ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل. وثوب مردم أي مرقع قاله الهروي. يقال: ردمت الثلمة أردمها بالكسر ردما أي سددتها. والردم أيضا الاسم وهو السد. وقيل: الردم أبلغ من السد إذ السد كل ما يسد به والردم وضع الشئ على الشئ من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض. ومنه قول عنترة: * هل غادر الشعراء من متردم * (3) أي من قول يركب بعضه على بعض. وقرئ " سدا " بالفتح في السين، فقال الخليل وسيبويه:
الضم هو الاسم والفتح المصدر. وقال الكسائي: الفتح والضم لغتان بمعنى واحد. وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة: ما كان من خلقة الله لم يشارك فيه أحد بعمل فهو بالضم، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح. ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرءوا " سدا " بالفتح وقبله " بين السدين " بالضم، وهي قراءة حمزة والكسائي. وقال أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة. وقال ابن أبي إسحاق: ما رأته عيناك فهو سد بالضم وما لا ترى فهو سد بالفتح.
الثانية - في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون، وحبس أهل الفساد فيها، ومنعهم من التصرف لما يريدونه، ولا يتركون وما هم عليه، بل يوجعون ضربا ويحبسون أو يكلفون (4) ويطلقون كما فعل عمر رضي الله عنه.