قال (1) تعالى: " بيدك الخير " (2) [آل عمران: 26] وأقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه، وإن كان بيده الخير والشر والضر والنفع، إذ هو على كل شئ قدير، وهو بكل شئ خبير. ولا اعتراض بما حكاه عليه السلام عن ربه عز وجل أنه يقول يوم القيامة: (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني) فإن ذلك تنزل في الخطاب وتلطف في العتاب مقتضاه التعريف بفضل ذي الجلال وبمقادير ثواب هذه الأعمال. وقد تقدم هذا المعنى. والله تعالى أعلم. ولله تعالى أن يطلق على نفسه ما يشاء، ولا نطلق نحن إلا ما أذن لنا فيه من الأوصاف الجميلة والافعال الشريفة. جل وتعالى عن النقائص والآفات علوا كبيرا. وقال في الغلام: " فأردنا " فكأنه أضاف القتل إلى نفسه، والتبديل إلى الله تعالى. والأشد كمال الخلق والعقل. وقد مضى الكلام فيه في " الانعام " (3) والحمد لله.
الثالثة - قال شيخنا الإمام أبو العباس: ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق تلزم منه هذه الأحكام الشرعية، فقالوا: هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأنبياء (4) والعامة، وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص، بل إنما يزاد منهم ما يقع في قلوبهم، ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم. وقالوا:
وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار، وخلوها عن الأغيار، فتتجلى لهم العلوم الإلهية، والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكائنات، ويعلمون أحكام الجزئيات، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، كما اتفق للخضر، فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم، عما كان عند موسى من تلك الفهوم. وقد جاء فيما ينقلون: استفت قلبك وإن أفتاك المفتون. قال شيخنا رضي الله عنه: وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب، لأنه إنكار ما علم من الشرائع، فإن الله تعالى قد أجرى سنته، وأنفذ حكمته، بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه، وهم المبلغون عنه رسالته (5) وكلامه المبينون شرائعه وأحكامه، اختارهم لذلك، وخصهم بما هنالك، كما قال تعالى: " الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس