ما تعود به عليه، فقطعت ذوائبها واشترت بها ممن يصلها قوتا وجاءت به إليه، وكان يستعين بذوائبها في تصرفه وتنقله، فلما عدمها وأراد الحركة في تنقله لم يقدر قال: " مسني الضر ".
وقيل: إنها لما اشترت القوت بذوائبها جاءه إبليس (1) [لعنه الله] (2) في صفة رجل وقال له:
إن أهلك بغت فأخذت وحلق شعرها. فحلف أيوب أن يجلدها، فكانت المحنة على قلب المرأة أشد من المحنة على قلب أيوب.
قلت: وقول سادس عشر - ذكره ابن المبارك: أخبرنا يونس بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوما أيوب النبي صلى الله عليه وسلم وما أصابه من البلاء، الحديث. وفيه أن بعض إخوانه ممن صابره ولازمه قال: يا نبي الله لقد أعجبني أمرك وذكرته إلى أخيك وصاحبك، أنه قد ابتلاك بذهاب الأهل والمال وفي جسدك منذ ثمانية عشرة سنة حتى بلغت ما ترى ألا يرحمك فيكشف عنك! لقد أذنبت ذنبا ما أظن أحدا بلغه! فقال أيوب عليه السلام: " ما أدري ما يقولان غير أن ربي عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتزاعمان وكل يحلف بالله - أو على النفر يتزاعمون - فأنقلب إلى أهلي فأكفر عن أيمانهم إرادة ألا يأثم أحد ذكره ولا يذكره أحد إلا بالحق " فنادى ربه " أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " إنما كان دعاؤه عرضا عرضه على الله تبارك وتعالى يخبره بالذي بلغه، صابرا لما يكون من الله تبارك وتعالى فيه. وذكر الحديث. وقول سابع عشر - سمعته ولم أقف عليه أن دودة سقطت من جسده فطلبها ليردها إلى موضعها فلم يجدها فقال:
" مسني الضر " لما فقد من أجر ألم تلك الدودة، وكان أراد أن يبقى له الاجر موفرا إلى وقت العافية، وهذا حسن إلا أنه يحتاج إلى سند. قال العلماء: ولم يكن قوله " مسني الضر " جزعا، لان الله تعالى قال: " إنا وجدناه صابرا " (3) [ص: 44] بل كان ذلك دعاء منه، والجزع في الشكوى إلى الخلق لا إلى الله تعالى، والدعاء لا ينافي الرضا. قال الثعلبي: سمعت أستاذنا أبا القاسم ابن حبيب يقول حضرت مجلسا غاصا بالفقهاء والأدباء في دار السلطان، فسألت عن هذه الآية بعد إجماعهم على أن قول أيوب كان شكاية قد قال الله تعالى: " إنا وجدناه صابرا " [ص: 44]