بدليل قوله: " فأبوا أن يضيفوهما " فاستحق أهل القرية لذلك أن يذموا، وينسبوا إلى اللؤم والبخل، كما وصفهم بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام. قال قتادة في هذه الآية: شر القرى التي لا تضيف الضيف ولا تعرف لابن السبيل حقه. ويظهر من ذلك أن الضيافة كانت عليهم واجبة، وأن الخضر وموسى إنما سألا ما وجب لهما من الضيافة، وهذا هو الأليق بحال الأنبياء، ومنصب الفضلاء والأولياء. وقد تقدم القول في الضيافة في " هود " (1) والحمد لله. ويعفو الله عن الحريري (2) حيث استخف في هذه الآية وتمجن، وأتى بخطل من القول وزل، فاستدل بها على الكدية (3) والالحاح فيها، وأن ذلك ليس بمعيب على فاعله، ولا منقصة عليه، فقال:
وإن رددت فما في الرد منقصة * عليك قد رد موسى قبل والخضر قلت: وهذا لعب بالدين، وانسلال عن احترام النبيين، وهي شنشنة أدبية، وهفوة سخافية، ويرحم الله السلف الصالح، فلقد بالغوا في وصية كل ذي عقل راجح، فقالوا: مهما كنت لاعبا بشئ فإياك أن تلعب بدينك.
الخامسة - قوله تعالى: (جدارا) الجدار والجدر بمعنى، وفي الخبر: (حتى يبلغ الماء الجدر) (4). ومكان جدير بني حواليه جدار، وأصله الرفع. وأجدرت الشجرة طلعت، ومنه الجدري.
السادسة - قوله تعالى: (يريد أن ينقض) أي قرب أن يسقط، وهذا مجاز وتوسع وقد فسره في الحديث بقوله: (مائل) فكان فيه دليل على وجود المجاز في القرآن، وهو مذهب الجمهور. وجميع الافعال التي حقها أن تكون للحي الناطق متى أسندت إلى جماد أو بهيمة فإنما هي استعارة، أي لو كان مكانهما إنسان لكان ممتثلا لذلك الفعل، وهذا في كلام العرب وأشعارها كثير، فمن ذلك قول الأعشى: