" ولا يحيطون بشئ من علمه " (1) [البقرة: 255] أي من معلوماته، وهذا من الخضر تمثيل، أي معلوماتي ومعلوماتك لا أثر لها في علم الله، كما أن ما أخذ هذا العصفور من هذا البحر لا أثر له بالنسبة إلى ماء البحر، وإنما مثل له ذلك بالبحر لأنه أكثر ما يشاهده مما بين أيدينا، وإطلاق لفظ النقص هنا تجوز قصد به التمثيل والتفهيم، إذ لا نقص في علم الله، ولا نهاية لمعلوماته.
وقد أوضح هذا المعنى البخاري فقال: والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطير بمنقاره من البحر وفي (التفسير) عن أبي العالية: لم ير الخضر حين خرق السفينة غير موسى وكان عبدا لا تراه إلا عين من أراد الله له أن يريه، ولو رآه القوم لمنعوه من خرق السفينة. وقيل: خرج أهل السفينة إلى جزيرة، وتخلف الخضر فخرق السفينة، وقال ابن عباس: (لما خرق الخضر السفينة تنحى موسى ناحية، وقال في نفسه: ما كنت أصنع بمصاحبة هذا الرجل! كنت في بني إسرائيل أتلو كتاب الله عليهم غدوة وعشية فيطيعوني!
قال له الخضر: يا موسى أتريد أن أخبرك بما حدثت به نفسك؟ قال: نعم. قال: كذا وكذا قال: صدقت، ذكره الثعلبي في كتاب (العرائس).
الثانية - في خرق السفينة دليل على أن للولي أن ينقص مال اليتيم إذا رآه صلاحا، مثل أن يخاف على ريعه ظالما فيخرب بعضه. وقال أبو يوسف: يجوز للولي أن يصانع السلطان ببعض مال اليتيم عن البعض. وقرأ حمزة والكسائي: " ليغرق " بالياء " أهلها " بالرفع فاعل يغرق، فاللام على قراءة الجماعة في " لتغرق " لام المآل مثل " ليكون لهم عدوا وحزنا " (2). وعلى قراءة حمزة لام كي، ولم يقل لتغرقني، لان الذي غلب عليه في الحال فرط الشفقة عليهم، ومراعاة حقهم.. (إمرا) معناه عجبا، قاله القتبي، وقيل: منكرا، قاله مجاهد، وقال أبو عبيدة: الامر الداهية العظيمة، وأنشد:
قد لقي الاقران مني نكرا * داهية دهياء إدا إمرا وقال الأخفش: يقال أمر أمره يأمر [أمرا] (3) إذا أشتد والاسم الامر.