قوله تعالى: (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري) فيه سبع مسائل:
الأولى - اختلف في تأويل قوله: " لذكري " فقيل: يحتمل أن يريد لتذكرني فيها، أو يريد لأذكرك بالمدح في عليين بها، فالمصدر على هذا يحتمل الإضافة إلى الفاعل وإلى المفعول. وقيل: المعنى، أي حافظ بعد التوحيد على الصلاة. وهذا تنبيه على عظم قدر الصلاة إذ هي تضرع إلى الله تعالى، وقيام بين يديه، وعلى هذا فالصلاة هي الذكر. وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله: " فاسعوا إلى ذكر الله " (1) [الجمعة: 9]. وقيل: المراد إذا نسيت فتذكرت فصل كما في الخبر (فليصلها إذا ذكرها). أي لا تسقط الصلاة بالنسيان.
الثانية - روى مالك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول (أقم الصلاة لذكري)). وروى أبو محمد عبد الغني بن سعيد من حديث حجاج بن حجاج (2) - وهو حجاج الأول الذي روى عنه يزيد بن زريع - قال حدثنا قتادة عن أنس بن مالك [رضي الله عنه (3)] قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يرقد عن الصلاة ويغفل عنها قال: (كفارتها أن يصليها إذا ذكرها) تابعه إبراهيم بن طهمان عن حجاج، وكذا يروي همام بن يحيى عن قتادة. وروى الدارقطني عن أبي هريرة [رضي الله عنه (3)] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها) فقوله: (فليصلها إذا ذكرها) دليل على وجوب القضاء على النائم والغافل، كثرت الصلاة أو قلت، وهو مذهب عامة العلماء وقد حكى خلاف شاذ لا يعتد به، لأنه مخالف لنص الحديث عن بعض الناس فيما زاد على خمس صلوات أنه لا يلزمه قضاء.
قلت: أمر الله تعالى بإقامة الصلاة، ونص على أوقات معينة، فقال: " أقم الصلاة لدلوك الشمس " (4) الآية وغيرها من الآي. ومن أقام بالليل ما أمر بإقامته بالنهار، أو بالعكس لم يكن فعله مطابقا لما أمر به، ولا ثواب له على فعله وهو عاص، وعلى هذا الحد كان لا يجب عليه قضاء ما فات وقته. ولولا قوله عليه الصلاة والسلام: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) لم ينتفع أحد بصلاة وقعت في غير وقتها، وبهذا الاعتبار كان قضاء لا أداء، لان القضاء بأمر متجدد وليس بالامر الأول.