الثانية - من الناس من كان لا يضحك اهتماما بنفسه وفساد حاله في اعتقاده من شدة الخوف، وإن كان عبدا صالحا. قال صلى الله عليه وسلم: (والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم إلى الصعدات (1) تجأرون إلى الله تعالى لوددت (2) أني كنت شجرة تعضد) خرجه الترمذي. وكان الحسن البصري رضي الله عنه ممن قد غلب عليه الحزن فكان لا يضحك. وكان ابن سيرين يضحك ويحتج على الحسن ويقول: الله أضحك وأبكى. وكان الصحابة يضحكون، إلا أن الاكثار منه وملازمته حتى يغلب على صاحبه مذموم منهي عنه، وهو من فعل السفهاء والبطالة. وفي الخبر: (أن كثرته تميت القلب) وأما البكاء من خوف الله و [عذابه وشدة] (3) عقابه فمحمود، قال عليه السلام: (ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون فلو أن سفنا أجريت فيها لجرت) خرجه ابن المبارك من حديث أنس وابن ماجة أيضا.
قوله تعالى: فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستئذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين (83) قوله تعالى: (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم) أي المنافقين. وإنما قال: " إلى طائفة " لان جميع من أقام بالمدينة ما كانوا منافقين بل كان فيهم معذورون ومن لا عذر له، ثم عفا عنهم وتاب عليهم، كالثلاثة الذين خلفوا. وسيأتي. (فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا) أي عاقبهم بألا تصحبهم أبدا. وهو كما قال في " سورة الفتح ": " قل لن تتبعونا " (4) [الفتح: 15]. و " الخالفين " جمع خالف، كأنهم خلفوا الخارجين. قال ابن عباس: