سبعين سنة صار عندهم بمنزلة قوله: لا أكلمه أبدا. ومثله في الاغياء قوله تعالى:
(في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا) (1)، وقوله عليه السلام: (من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا). وقالت طائفة: هو تخيير - منهم الحسن وقتادة وعروة - إن شئت استغفر لهم وإن شئت لا تستغفر. ولهذا لما أراد أن يصلى على ابن أبي قال عمر: أتصلي على عدو الله القائل يوم كذا كذا وكذا؟. فقال: (إني خيرت فاخترت). قالوا: ثم نسخ هذا لما نزل (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم (2)).
(ذلك بأنهم كفروا) أي لا يغفر الله لهم لكفرهم.
الخامسة - قوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن تستغفروا للمشركين) الآية. وهذه الآية نزلت بمكة عند موت أبي طالب، على ما يأتي بيانه. وهذا يفهم منه النهى عن الاستغفار لمن مات كافرا. وهو متقدم على هذه الآية التي فهم منها التخيير بقوله:
(انما خيرني الله) وهذا مشكل. فقيل: إن استغفاره لعمه إنما كان مقصوده استغفارا مرجو الإجابة حتى تحصل له المغفرة. وفي هذا الاستغفار استأذن عليه السلام ربه في أن يأذن له فيه لامه فلم يأذن له فيه. وأما الاستغفار للمنافقين الذي خير فيه فهو استغفار لساني لا ينفع وغايته تطييب قلوب بعض الاحياء من قرابات المستغفر له. والله أعلم.
السادسة - واختلف في أعطاء النبي صلى الله عليه وسلم قميصه لعبد الله، فقيل:
إنما أعطاه لان عبد الله كان قد أعطي العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم قميصه يوم بدر.
وذلك أن العباس لما أسر يوم بدر - على ما تقدم - وسلب ثوبه رآه النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فأشفق عليه، فطلب له قميصا فما وجد له قميص يقادره إلا قميص عبد الله، لتقاربهما في طول القامة، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم بإعطاء القميص أن يرفع اليد عنه في الدنيا، حتى لا يلقاه في الآخرة وله عليه يد يكافئه بها، وقيل: إنما أعطاه القميص إكراما لابنه وإسعافا له في طلبته وتطييبا لقلبه. والأول أصح، خرجه البخاري عن جابر