وأما النهر الثالث فسقاهم ربهم شرابا طهورا) وذكر الحديث. والواو في [قوله] (1): " وآخر سيئا " قيل: هي بمعنى الباء، وقيل: بمعنى مع، كقولك استوى الماء والخشبة. وأنكر ذلك الكوفيون وقالوا: لان الخشبة لا يجوز تقديمها على الماء، و " آخر " في الآية يجوز تقديمه على الأول، فهو بمنزلة خلطت الماء باللبن.
قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم (103) فيه ثمان مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) اختلف في هذه الصدقة المأمور بها، فقيل: هي صدقة الفرض، قاله جويبر عن ابن عباس، وهو قول عكرمة فيما ذكر القشيري.
وقيل: هو مخصوص بمن نزلت فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم ثلث أموالهم، وليس هذا من الزكاة المفروضة في شئ، ولهذا قال مالك: إذا تصدق الرجل بجميع ماله أجزأه إخراج الثلث، متمسكا بحديث أبي لبابة. وعلى القول الأول فهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يقتضي بظاهره اقتصاره عليه فلا يأخذ الصدقة سواه، ويلزم على هذا سقوطها بسقوطه وزوالها بموته. وبهذا تعلق مانعو الزكاة على أبي بكر الصديق [رضي الله عنه] (2) وقالوا: إنه كان يعطينا عوضا منها التطهير والتزكية والصلاة علينا وقد عدمناها من غيره. ونظم في ذلك شاعرهم فقال:
أطعنا رسول الله ما كان بيننا * فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر وإن الذي سألوكم فمنعتم * لكالتمر أو أحلى لديهم من التمر سنمنعهم ما دام فينا بقية * كرام على الضراء في العسر واليسر وهذا صنف من القائمين على أبي بكر أمثلهم طريقة، وفي حقهم قال أبو بكر: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة). ابن العربي: أما قولهم إن هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يلتحق به غيره فهو كلام جاهل بالقرآن غافل عن مأخذ الشريعة متلاعب بالدين، فإن الخطاب في القرآن لم يرد بابا واحدا ولكن اختلفت موارده على وجوه، فمنها خطاب توجه إلى