يوم بدر: أتراهم سبعين؟ فقال: هم نحو المائة. فأسرنا رجلا فقلنا: كم كنتم؟ فقال: كنا ألفا. (ويقللكم في أعينهم) كان هذا في ابتداء القتال حتى قال أبو جهل في ذلك اليوم:
إنما هم أكلة جزور (1)، خذوهم أخذا واربطوهم بالحبال. فلما أخذوا في القتال عظم المسلمون في أعينهم فكثروا، كما قال: " يرونهم مثليهم رأي العين " [آل عمران: 13] حسب ما تقدم في (آل عمران) (2) بيانه. (ليقضي الله أمرا كان مفعولا) تكرر هذا، لان المعنى في الأول من اللقاء، وفي الثاني من قتل المشركين وإعزاز الدين، وهو إتمام النعمة على المسلمين.
(وإلى الله ترجع الأمور) أي مصيرها ومردها إليه.
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون (45) قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة) أي جماعة (فاثبتوا) أمر بالثبات عند قتال الكفار، كما في الآية قبلها النهي عن الفرار عنهم، فالتقى الأمر والنهي على سواء.
وهذا تأكيد على الوقوف للعدو والتجلد له.
قوله تعالى: (واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) للعلماء في هذا الذكر ثلاثة أقوال:
الأول - اذكروا الله عند جزع قلوبكم، فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد. الثاني - أثبتوا بقلوبكم، واذكروه بألسنتكم، فإن القلب لا يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان، فأمر بالذكر حتى يثبت القلب على اليقين، ويثبت اللسان على الذكر، ويقول ما قاله أصحاب طالوت: " ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين " (3) [البقرة: 250]. وهذه الحالة لا تكون إلا عن قوة المعرفة، واتقاد البصيرة، وهي الشجاعة المحمودة في الناس. الثالث - أذكروا ما عندكم من وعد الله لكم في ابتياعه أنفسكم ومثامنته لكم.