قوله تعالى: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) هذا أيضا من صفات المنافقين. قال قتادة: " يلمزون " يعيبون. قال: وذلك أن عبد الرحمن بن عوف تصدق بنصف ماله، وكان ماله ثمانية آلاف فتصدق منها بأربعة آلاف. فقال قوم:
ما أعظم رياءه، فأنزل الله: " الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ". وجاء رجل من الأنصار بنصف صبرة (1) من تمره فقالوا: ما أغنى الله عن هذا، فأنزل الله عز وجل " والذين لا يجدون إلا جهدهم " الآية. وخرج مسلم عن أبي مسعود قال: أمرنا بالصدقة - قال: كنا نحامل (2)، في رواية: على ظهورنا - قال: فتصدق أبو عقيل بنصف صاع.
قال: وجاء إنسان بشئ أكثر منه فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياء: فنزلت " الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم ". يعني أبا عقيل، واسمه الحبحاب. والجهد: شئ قليل يعيش به المقل. والجهد والجهد بمعنى واحد. وقد تقدم (3). و " يلمزون " يعيبون. وقد تقدم.
و " المطوعين " أصله المتطوعين أدغمت التاء في الطاء، وهم الذين يفعلون الشئ تبرعا من غير أن يجب عليهم. " والذين " في موضع خفض عطف على " المؤمنين ". ولا يجوز أن يكون عطفا على الاسم قبل تمامه. " فيسخرون " عطف على " يلمزون ". " سخر الله منهم " خبر الابتداء، وهو دعاء عليهم. وقال ابن عباس: هو خبر، أي سخر منهم حيث صاروا إلى النار. ومعنى سخر الله مجازاتهم على سخريتهم. وقد تقدم في " البقرة " (4).
قوله تعالى: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدى القوم الفاسقين (80)