قوله تعالى: (إني أعلم ما لا تعلمون) " أعلم " فيه تأويلان، قيل: إنه فعل مستقبل.
وقيل: إنه اسم بمعنى فاعل، كما يقال: الله أكبر، بمعنى كبير، وكما قال (1):
لعمرك ما أدري وإني لأوجل * على أينا تعدو المنية أول فعلى أنه فعل تكون " ما " في موضع نصب بأعلم، ويجوز إدغام الميم في الميم. وإن جعلته اسما بمعنى عالم تكون " ما " في موضع خفض بالإضافة. قال ابن عطية: ولا يصح فيه الصرف بإجماع من النحاة، وإنما الخلاف في " أفعل " إذا سمي به وكان نكرة، فسيبويه والخليل لا يصرفانه، والأخفش يصرفه. قال المهدوي: يجوز أن تقدر التنوين في " أعلم " إذا قدرته بمعنى عالم، وتنصب " ما " به، فيكون مثل حواج بيت الله. قال الجوهري: ونسوة حواج بيت الله، بالإضافة إذا كن قد حججن، وإن لم يكن حججن قلت: حواج بيت الله، فتنصب البيت، لأنك تريد التنوين في حواج.
قوله تعالى " ما لا تعلمون " اختلف علماء التأويل في المراد بقوله تعالى:
" ما لا تعلمون ". فقال ابن عباس: كان إبليس - لعنه الله - قد أعجب ودخله الكبر لما جعله خازن السماء وشرفه، فاعتقد أن ذلك لمزية له، فاستخف الكفر والمعصية في جانب آدم عليه السلام. وقالت الملائكة: " ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " [البقرة: 30] وهي لا تعلم أن في نفس إبليس خلاف ذلك، فقال الله تعالى لهم: " إني أعلم ما لا تعلمون " [البقرة: 30]. وقال قتادة:
لما قالت الملائكة " أتجعل فيها " [البقرة: 30] وقد علم الله أن فيمن يستخلف في الأرض أنبياء وفضلاء وأهل طاعة قال لهم " إني أعلم ما لا تعلمون ".
قلت: ويحتمل أن يكون المعنى إني أعلم ما لا تعلمون مما كان ومما يكون ومما هو كائن، فهو عام.