تفسير القرطبي - القرطبي - ج ١ - الصفحة ٢٧٧
قوله تعالى: " بحمدك " أي وبحمدك نخلط التسبيح بالحمد ونصله به. والحمد: الثناء، وقد تقدم (1). ويحتمل أن يكون قولهم: " بحمدك " اعتراضا بين الكلامين، كأنهم قالوا: ونحن نسبح ونقدس، ثم اعترضوا على جهة التسليم، أي وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك. والله أعلم.
قوله تعالى: (ونقدس لك) أي نعظمك ونمجدك ونطهر ذكرك عما لا يليق بك مما نسبك إليه الملحدون، قال مجاهد وأبو صالح وغيرهما. وقال الضحاك وغيره: المعنى نطهر أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك وقال قوم منهم قتادة: " نقدس لك " معناه نصلي.
والتقديس: الصلاة. قال ابن عطية: وهذا ضعيف.
قلت: بل معناه صحيح، فإن الصلاة تشتمل على التعظيم والتقديس والتسبيح، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح).
روته عائشة أخرجه مسلم. وبناء " قدس " كيفما تصرف فإن معناه التطهير، ومنه قوله تعالى:
" ادخلوا الأرض المقدسة (2) " [المائدة: 21] أي المطهرة. وقال: " الملك القدوس (3) " [الحشر: 23] يعني الطاهر، ومثله:
" بالواد المقدس (4) طوى " [طه: 12] وبيت المقدس سمي به لأنه المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب أي يتطهر، ومنه قيل للسطل: قدس، لأنه يتوضأ فيه ويتطهر، ومنه القادوس. وفي الحديث:
(لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها). يريد لا طهرها الله، أخرجه ابن ماجة في سننه. فالقدس: الطهر من غير خلاف، وقال الشاعر: (5) فأدركنه يأخذن بالساق والنسا * كما شبرق الولدان ثوب المقدس أي المطهر. فالصلاة طهرة للعبد من الذنوب، والمصلي يدخلها على أكمل الأحوال لكونها أفضل الأعمال، والله أعلم.

(1 راجع المسألة الرابعة ص 133 من هذا الجزء.
(2) راجع ج 6 ص 125 (3) راجع ج 18 ص 45 (4) راجع ج 11 ص 175 (5) هو امرؤ القيس. والهاء في (أدركنه) ضمير الثور، والنون ضمير الكلاب. والنسا: عرق في الفخذ. والشبرقة: تقطيع الثوب وغيره.
والمقدس (بكسر الدال وتشديدها): الراهب. وبالفتح: المبارك. يقول: أدركت الكلاب الثور يأخذن بساقه وفخذه: وشبرقت جلده كما شبرق ولدان النصارى ثوب الراهب المسبح لله عز وجل إذا نزل من صومعته فقطعوا ثيابه تبركا به. (عن شرح الديوان واللسان).
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»
الفهرست