والجواب عن الحديث الأول: أنه ليس بمتواتر، وقد اختلف في صحته، وقد طعن فيه أبو داود السجستاني وأبو حاتم الرازي، واستدلا على بطلانه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مزينة وجهينة وغفار وأسلم موالي دون الناس كلهم ليس لهم مولى دون الله ورسوله).
قالوا: فلو كان قد قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) لكان أحد الخبرين كذبا.
جواب ثان - وهو أن الخبر وإن كان صحيحا رواه ثقة عن ثقة فليس فيه ما يدل على إمامته، وإنما يدل على فضيلته، وذلك أن المولى بمعنى الولي، فيكون معنى الخبر: من كنت وليه فعلي وليه، قال الله تعالى: " فإن الله هو مولاه " [التحريم: 4] أي وليه. وكان المقصود من الخبر أن يعلم الناس أن ظاهر علي كباطنه، وذلك فضيلة عظيمة لعلي.
جواب ثالث - وهو أن هذا الخبر ورد على سبب، وذلك أن أسامة وعليا اختصما، فقال علي لأسامة: أنت مولاي. فقال: لست مولاك، بل أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه).
جواب رابع: وهو أن عليا عليه السلام لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك في عائشة رضي الله عنها: النساء سواها كثير. شق ذلك عليها، فوجد أهل النفاق مجالا فطعنوا عليه وأظهروا البراءة منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا المقال ردا لقولهم، وتكذيبا لهم فيما قدموا عليه من البراءة منه والطعن فيه، ولهذا ما روي عن جماعة من الصحابة أنهم قالوا: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم لعلي عليه السلام. وأما الحديث الثاني فلا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بمنزلة هارون من موسى الخلافة بعده، ولا خلاف أن هارون مات قبل موسى عليهما السلام - على ما يأتي من بيان وفاتيهما في سورة " المائدة (1) " - وما كان خليفة بعده وإنما كان الخليفة يوشع بن نون، فلو أراد بقوله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) الخلافة لقال: أنت مني بمنزلة يوشع من موسى، فلما لم يقل هذا دل على أنه لم يرد هذا، وإنما أراد أني استخلفتك على أهلي في حياتي وغيبوبتي عن أهلي، كما كان هارون خليفة موسى على قومه لما خرج إلى مناجاة