ذكر الله تعالى، وقول من حرقها أولى بالصواب، وقد فعله عثمان. وقد قال القاضي أبو بكر لسان الأمة: جائز للامام تحريق الصحف التي فيها القران، إذا أداه الاجتهاد إلى ذلك.
فصل - قال علماؤنا رحمة الله عليهم: وفي فعل عثمان رضي الله عنه رد على الحيلولة (1) والحشوية القائلين بقدم الحروف والأصوات، وان القراءة والتلاوة القديمة، وان الايمان قديم، الروح قديم، وقد أجمعت الأمة وكل أمة من النصارى واليهود والبراهمة يل كل ملحد وموحد ان القديم لا يفعل ولا تتعلق به قدرة قادر بوجه ولا بسبب، ولا يجوز العدم على القديم وان القديم لا يصير محدثا، والمحدث لا يصير قديما، وان القديم ما لا أول لوجوده، وان المحدث هو ما كان بعد أن لم يكن، وهذه الطائفة خرقت اجماع العقلاء من أهل الملل وغيرهم، فقالوا:
يجوز ان يصير المحدث قديما، وان العبد إذا قرأ كلام الله تعالى فعل كلاما لله قديما، وكذلك إذا نحت حروفا من الاجر والخشب، أو صاغ أحرفا من الذهب والفضة، أو نسج ثوبا فنقش عليه اية من كتاب الله فقد فعل هؤلاء كلام الله قديما، وصار كلامه منسوجا قديما ومنحوتا قديما ومصوغا قديما، فيقال لهم: ما تقولون في كلام الله تعالى، أيجوز ان يذاب ويمحى ويحرق؟ فان قالوا: نعم، فارقوا الدين، وان قالوا: لا، قيل لهم: فما قولكم في حروف مصورة آية من كتاب الله تعالى من شمع، أو ذهب أو فضه أو خشب أو كاغد فوقعت في النار فذابت واحترقت، فهل تقولون: ان كلام الله احترق؟ فإن قالوا: نعم، تركوا قولهم، وان قالوا: لا، قيل لهم أليس قلتم، ان هذه الكتابة كلام الله وقد احترقت! وقلتم:
ان هذه الأحرف كلامه وقد ذابت، فإن قالوا: احترقت الحروف وكلامه تعالى باق، رجعوا إلى الحق والصواب ودانوا بالجواب، وهو الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم، منها على ما يقول أهل الحق: ولو كان القران في اهاب ثم وقع في النار ما احترق. وقال عز وجل:
" أنزلت عليك كتابا لا يغسله تقرؤه نائما ويقظان " الحديث، أخرجه مسلم. فثبت بهذا