وهذا قول حسن، رواه عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله " أتجعل فيها من يفسد فيها " قال: كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فلذلك قالوا: " أتجعل فيها من يفسد فيها ". وفي الكلام حذف على مذهبه، والمعنى إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا ويفعل كذا، فقالوا: أتجعل فيها الذي أعلمتناه أم غيره؟
والقول الأول أيضا حسن جدا، لان فيه استخراج العلم واستنباطه من مقتضى الألفاظ وذلك لا يكون إلا من العلماء، وما بين القولين حسن، فتأمله. وقد قيل: إن سؤاله تعالى للملائكة بقوله: (كيف تركتم عبادي) - على ما ثبت في صحيح مسلم وغيره - إنما هو على جهة التوبيخ لمن قال: أتجعل فيها، وإظهار لما سبق في معلومه إذ قال لهم: " إني أعلم ما لا تعلمون ".
قوله: " من يفسد فيها " " من " في موضع نصب على المفعول بتجعل والمفعول الثاني يقوم مقامه " فيها ". " يفسد " على اللفظ، ويجوز في غير القرآن يفسدون على المعنى. وفي التنزيل:
" ومنهم من يستمع إليك " [الانعام: 25] على اللفظ، " ومنهم من يستمعون " على المعنى. (ويسفك) عطف عليه، ويجوز فيه الوجهان. وروى أسيد عن الأعرج أنه قرأ: " ويسفك الدماء " بالنصب، يجعله جواب الاستفهام بالواو كما قال (1):
ألم أك جاركم وتكون بيني * وبينكم المودة والاخاء والسفك: الصب. سفكت الدم أسفكه سفكا: صببته، وكذلك الدمع، حكاه ابن فارس والجوهري. والسفاك: السفاح، وهو القادر على الكلام. قال المهدوي:
ولا يستعمل السفك إلا في الدم، وقد يستعمل في نثر الكلام يقال سفك الكلام إذا نثره. وواحد الدماء دم، محذوف اللام. وقيل: أصله دمي. وقيل: دمي، ولا يكون اسم على حرفين إلا وقد حذف منه، والمحذوف منه ياء وقد نطق به على الأصل، قال الشاعر:
فلو أنا على حجر ذبحنا * جرى الدميان بالخبر اليقين