قوله تعالى: (بغير الحق) تعظيم للشنعة والذنب الذي أتوه.
فإن قيل: هذا دليل على أنه قد يصح أن يقتلوا بالحق، ومعلوم أن الأنبياء معصومون من أن يصدر منهم ما يقتلون به. قيل له: ليس كذلك، وإنما خرج هذا مخرج الصفة لقتلهم أنه ظلم وليس بحق، فكان هذا تعظيما للشنعة عليهم، ومعلوم أنه لا يقتل نبي بحق، ولكن يقتل على الحق، فصرح قوله: " بغير الحق " عن شنعة الذنب ووضوحه، ولم يأت نبي قط بشئ يوجب قتله.
فإن قيل: كيف جاز أن يخلى بين الكافرين وقتل الأنبياء؟ قيل: ذلك كرامة لهم وزيادة في منازلهم، كمثل من يقتل في سبيل الله من المؤمنين، وليس ذلك بخذلان لهم. قال ابن عباس والحسن: لم يقتل نبي قط من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال، وكل من أمر بقتال نصر.
قوله تعالى: (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) " ذلك " رد على الأول وتأكيد للإشارة إليه. والباء في " بما " باء السبب. قال الأخفش: أي بعصيانهم. والعصيان: خلاف الطاعة. واعتصت النواة إذا اشتدت. والاعتداء: تجاوز الحد في كل شئ، وعرف في الظلم والمعاصي.
قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (62) فيه ثماني مسائل:
الأولى قوله تعالى: (إن الذين آمنوا) أي صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال سفيان: المراد المنافقون. كأنه قال: الذين آمنوا في ظاهر أمرهم، فلذلك قرنهم باليهود والنصارى والصابئين، ثم بين حكم من آمن بالله واليوم الآخر من جميعهم.
الثانية - قوله تعالى: (والذين هادوا) معناه صاروا يهودا، نسبوا إلى يهوذا وهو أكبر ولد يعقوب عليه السلام، فقلبت العرب الذال دالا، لان الأعجمية إذا عربت غيرت