الخامسة: الامر بقتل الحيات من باب الارشاد إلى دفع المضرة المخوفة من الحيات، فما كان منها متحقق الضرر وجبت المبادرة إلى قتله، لقوله: (اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين (1) والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويسقطان الحبل). فخصهما بالذكر مع أنهما دخلا في العموم ونبه على ذلك بسبب عظم ضررهما. وما لم يتحقق ضرره فما كان منها في غير البيوت قتل أيضا لظاهر الامر العام، ولأن نوع الحيات غالبه الضرر، فيستصحب ذلك فيه، ولأنه كله مروع بصورته وبما في النفوس من النفرة عنه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية). فشجع على قتلها. وقال فيما خرجه أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا: (اقتلوا الحيات [كلهن] (2) فمن خاف ثأرهن فليس مني). والله أعلم.
السادسة: ما كان من الحيات في البيوت فلا يقتل حتى يؤذن ثلاثة أيام، لقوله عليه السلام: (إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فأذنوه ثلاثة أيام). وقد حمل بعض العلماء هذا الحديث على المدينة وحدها لاسلام الجن بها، قالوا: ولا نعلم هل أسلم من جن غير المدينة أحد أو لا، قاله ابن نافع. وقال مالك: نهى عن قتل جنان (3) البيوت في جميع البلاد. وهو الصحيح، لان الله عز وجل قال: " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن " (4) [الأحقاف: 29] الآية. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن) وفيه: وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة، الحديث. وسيأتي بكماله في سورة " الجن " (5) إن شاء الله تعالى.
وإذا ثبت هذا فلا يقتل شئ منها حتى يحرج (6) عليه وينذر، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.