تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٦٢
وقد أشار إليه بقوله: " ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين " والثاني استقباح فعلته ورميه بالافساد والجرم بقوله: " وفعلت فعلتك التي فعلت " والثالث المن عليه بأنه من عبيده ويستفاد ذلك من قوله: " وأنت من الكافرين " وقد اقتضى طبع ما يذكره في الجواب أن يغير الترتيب في الجواب فيجيب أولا عن اعتراضه الثاني ثم عن الأول ثم عن الثالث.
فقوله: " فعلتها إذا وأنا من الضالين " جواب عن اعتراضه بقتل القبطي وقد استعظمه حيث لم يصرح باسمه بل كنى عنه بالفعلة التي فعلت صونا للاسماع أن تقرع باسمه فتتألم.
والتدبر في متن الجواب ومقابلته الاعتراض يعطي أن قوله: " ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما " من تمام الجواب عن القتل فيتقابل الحكم والضلال ويتضح حينئذ أن المراد بالضلال الجهل المقابل للحكم والحكم إصابة النظر في حقيقة الامر وإتقان الرأي في تطبيق العمل عليه فيرجع معناه إلى القضاء الحق في حسن الفعل وقبحه وتطبيق العمل عليه، وهذا هو الذي كان يؤتاه الأنبياء، قال تعالى: " وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ".
فالمراد أني فعلتها حينئذ والحال أني في ضلال من الجهل بجهة المصلحة فيه والحق الذي يجب أن يتبع هناك فأقدمت على الدفاع عمن استنصرني ولم أعلم أنه يؤدي إلى قتل الرجل ويؤدي ذلك إلى عاقبة وخيمة تحوجني إلى خروجي من مصر وفراري إلى مدين ولتغرب عن الوطن سنين.
ومن هنا يظهر ما في قول بعضهم: إن المراد بالضلال الجهل بمعنى الاقدام على الفعل من غير مبالاة العواقب كما في قوله:
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا وكذا قول بعض آخر: إن المراد بالضلال المحبة كما فسر به قول بني يعقوب لأبيهم: " تالله إنك في ضلالك القديم " أي في محبتك القديمة ليوسف، فالمعنى: فعلتها حينئذ وأنا من المحبين لله لا ألوي عن محبته إلى شئ.
أما الوجه الأول ففيه أنه اعتراف بالجرم والمعصية، وآيات سورة القصص ناصة
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»
الفهرست