وقد علل ذلك بقوله: " إنا معكم مستمعون " والمراد بضمير الجمع موسى وهارون والقوم الذين أرسلا إليهم، ولا يعبؤ بقول من قال: إن المراد به موسى وهارون بناء على كون أقل الجمع اثنين فإنه مع فساده في أصله لا تساعد عليه ضمائر التثنية قبله وبعده كما قيل.
والاستماع هو الاصغاء إلى الكلام والحديث وهو كناية عن الحضور وكمال العناية بما يجري بينهما وبين فرعون وقومه عند تبليغ الرسالة كما قال في القصة من سورة طه:
" لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى " طه: 46.
ومحصل المعنى: كلا لا يقدرون على قتلك فاذهبا إليهم بآياتنا ولا تخافا إنا حاضرون عند كم شاهدون عليكم معتنون بما يجري بينكم.
قوله تعالى: " فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل " بيان لقوله في الآية السابقة: " فاذهبا إليهم بآياتنا ".
وقوله: " فقولا إنا رسول رب العالمين " تفريع على إتيان فرعون، والتعبير بالرسول بلفظ المفرد إما باعتبار كل واحد منهما أو باعتبار كون رسالتا واحدة وهي قولهما: " أن أرسل " الخ، أو باعتبار أن الرسول مصدر في الأصل فالأصل أن يستوي فيه الواحد والجمع، والتقدير إنا ذوا رسول رب العالمين أي ذوا رسالته كما قيل.
وقوله: " أن أرسل معنا بني إسرائيل " تفسير للرسالة المفهومة من السياق والمراد بإرسالهم إطلاقهم لكن لما كان المطلوب أن يعودوا إلى الأرض المقدسة التي كتب الله لهم وهي أرض آبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب ع سمي إطلاقهم ليعودوا إليها إرسالا منه لهم إليها.
قوله تعالى: " قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين " الاستفهام للانكار التوبيخي، و " نربك " من التربية، والوليد الصبي.
لما أقبل فرعون على موسى وهارون وسمع كلامهما عرف موسى وخصه بالخطاب قائلا ألم نربك الخ، ومراده الاعتراض عليه أولا من جهة دعواه الرسالة يقول: أنت الذي ربيناك وأنت وليد ولبثت فينا من عمرك سنين عديدة نعرفك باسمك ونعتك ولم ننس شيئا من أحوالك فمن أين لك هذه الرسالة وأنت من نعرفك ولا نجهل أصلك؟