وفيه هداية كل إلى سعادته الأخيرة ومن كانت هذه سنته فكيف يهمل أمر الانسان ولا يهديه إلى سعادته ولا يدعوه إلى ما فيه خير دنياه وآخرته. هذا ما تدل عليه آية النبات.
وقوله: " وما كان أكثرهم مؤمنين " أي لم يكن المترقب من حال أكثرهم بما عندهم من ملكة الاعراض وبطلان الاستعداد أن يؤمنوا فظاهر الآية نظير ظاهر قوله: " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل " يونس: 74. وتعليل الكفر والفسوق برسوخ الملكات الرذيلة واستحكام الفساد في السريرة من قبل في كلامه تعالى أكثر من أن تحصي.
ومن هنا يظهر أن قول بعضهم: إن المراد ما كان في علم الله أن لا يؤمنوا غير سديد لأنه مضافا إلى كونه خلاف المتبادر من الجملة، مما لا دليل على أنه المراد من اللفظ بل الدليل على خلافه السبق الدلالة على أن ملكة الاعراض راسخة لم تزل في نفوسهم.
وعن سيبويه أن " كان " في قوله: " وما كان أكثرهم مؤمنين " صلة زائدة والمعنى: وما أكثرهم مؤمنين. وفيه أنه معنى صحيح في نفسه لكن المقام بما تقدم من المعنى أوفق.
قوله تعالى: " وإن ربك لهو العزيز الرحيم " فهو تعالى لكونه عزيزا غير مغلوب يأخذ المعرضين عن ذكره المكذبين لآياته المستهزئين بها ويجازيهم بالعقوبات العاجلة والآجلة، ولكونه رحيما ينزل عليهم الذكر ليهديهم ويغفر للمؤمنين به ويمهل الكافرين.
(بحث عقلي متعلق بالعلم) قال في روح المعاني في قوله تعالى: " وما كان أكثرهم مؤمنين " قيل: أي وما كان في علم الله تعالى ذلك، واعترض - بناء على أنه يفهم من السياق العليم بأن علمه تعالى ليس علة لعدم إيمانهم لان العلم تابع للمعلوم لا بالعكس.