تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٦٣
على أن الله سبحانه آتاه حكما علما قبل واقعة القتل وهذا لا يجامع الضلال بهذا المعنى من الجهل.
وأما الوجه الثاني ففيه مضافا إلى عدم مساعدة السياق: أن من الممتنع من أدب القرآن أن يسمي محبة الله سبحانه ضلالا.
وأما قول: القائل إن المراد بالضلال الجهل بمعنى عدم التعمد وأنه إنما فعل ذلك جاهلا به غير متعمد إياه فإنه عليه السلام إنما تعمد وكز القبطي للتأديب فأدي إلى ما أدي.
وكذا قول القائل: إن المراد بالضلال الجهل بالشرائع كما فسر به بعضهم قوله:
" ووجدك ضالا فهدى ".
وكذا قول القائل: إن المراد بالضلال النسيان كما فسر به قوله تعالى: " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " البقرة: 282. وأن المعنى فعلتها ناسيا حرمتها أو ناسيا أن الوكز مما يفضي إلى القتل عادة.
فوجوه يمكن أن يوجه كل منها بما يرجع به إلى ما قدمناه.
وقوله: " ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما " متفرع على قصة القتل، والسبب في خوفه وفراره ما أخبر الله به في سورة القصص بقوله: " وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب " القصص: 21.
وأما الحكم فالمراد به - كما استظهرناه - إصابة النظر في حقيقة الامر وإتقان الرأي في العمل به.
فإن قلت: صريح الآية أن موهبة الحكم كانت بعد واقعة القتل ومفاد آيات سورة القصص أنه عليه السلام أعطي الحكم قبلها، قال تعالى: " ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين، ودخل المدينة " الخ، القصص: 15، ثم ساق القصة وذكر القتل والفرار.
قلت: إنما ورد لفظ الحكم ههنا وفي سورة القصص منكرا وهو مشعر بمغايرة كل منهما الآخر وقد ورد في خصوص التوراة أنها متضمنة للحكم، قال تعالى:
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»
الفهرست