قوله تعالى: " وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين " الفعلة بفتح الفاء بناء مرة من الفعل، وتوصيف الفعلة بقوله: " التي فعلت " للدلالة على عظم خطره وكثرة شناعته وفظاعته نظير ما في قوله: " فغشيهم من اليم ما غشيهم " طه: 78، ومراده بهذه الفعلة قتله عليه السلام القبطي.
وقوله: " وأنت من الكافرين " ظاهر السياق على ما سيأتي الإشارة إليه أن مراده بالكفر كفران النعمة وأن قتله القبطي وفساده في أرضه كفران لنعمته عليه بالخصوص بما له عنده من الصنيعة حيث كف عن قتله كسائر المواليد من بني إسرائيل ورباه في بيته بل لأنه من بني إسرائيل وهو يراهم عبيدا لنفسه ويرى نفسه ربا منعما عليهم فقتل الواحد منهم رجلا من قومه وإفساده في الأرض خروج من طور العبودية وكفر بنعمته.
فمحصل اعتراضه المشار إليه في الآيتين أنك الذي ربيناك صبيا صغيرا ولبثت فينا من عمرك سنين، وأفسدت في الأرض بقتل النفس فكفرت بنعمتي وأنت من عبيدي الإسرائيليين فمن أين جاءتك هذه الرسالة؟ وكيف تكون رسولا وأنت هذا الذي نعرفك؟.
وبذلك يظهر عدم إستقامة تفسير بعضهم الكفر بالكفر المقابل للايمان، وأن المعنى وأنت من الكافرين بالوهيتي أو أنت من الكافرين بالله على زعمك حيث خالطتنا سنين وأنت في ملتنا، وكذا قول بعضهم: إن المراد وأنت من الكافرين بنعمتي عليك خاصة.
قوله تعالى: " قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل " ضمير " فعلتها " راجع إلى الفعلة، والظاهر أن " إذا " مقطوع عن الجواب والجزاء ويفيد معنى حينئذ كما قيل، وعبده تعبيدا وأعبده إعبادا إذا اتخذه عبدا لنفسه.
والآيات الثلاث جواب موسى عليه السلام عما اعترض به فرعون، والتطبيق بين جوابه ع وما اعتراض به فرعون يعطي أنه عليه السلام حلل كلام فرعون إلى القدح في دعواه الرسالة من ثلاثة أوجه: أحدها استغراب رسالته واستبعادها وهو الذي يعلم حاله