وقوله: " فأرسل إلى هارون " أي أرسل ملك الوحي إلى هارون ليكون معينا لي على تبليغ الرسالة يقال لمن نزلت به نائبة أو أشكل عليه أمر: أرسل إلى فلان أي استمد منه واتخذه عونا لك.
فالجملة أعني قوله: " فأرسل إلى هارون " متفرعة على قوله: " إني أخاف " الخ، وذكر خوف التكذيب مع ما معه من ضيق الصدر وعدم انطلاق اللسان توطئة وتقدمة لذكرها وسؤال موهبة الرسالة لهارون.
وإنما اعتل بما اعتل به وسأل الرسالة لأخيه ليكون شريكا له في أمره، معينا مصدقا له في التبليغ لا فرارا عن تحمل أعباء الرسالة، واستعفاء منها، قال في روح المعاني: ومن الدليل على أن المعنى على ذلك لا أنه تعلل وقوع " فأرسل " بين الأوائل وبين الرابعة أعني قوله: " ولهم علي ذنب " الخ، فآذن بتعلقه بها ولو كان تعللا لآخر، انتهى.
وهو حسن وأوضح منه قوله تعالى في سورة القصص في القصة: " قال رب إني تلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون، وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون " القصص: 34.
قوله تعالى: " ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون " قال الراغب في المفردات:
الذنب في الأصل الاخذ بذنب الشئ يقال: ذنبته أصبت ذنبه، ويستعمل في كل فعل يستوخم عقباه اعتبارا لما يحصل من عاقبته. انتهى.
وفي الآية إشارة إلى قصة قتله عليه السلام، وكونه ذنبا لهم عليه إنما هو بالبناء على اعتقادهم أو الاعتبار بمعناه اللغوي المذكور آنفا، وأما كونه ذنبا بمعنى معصية الله تعالى فلا دليل عليه وسيوافيك فيه كلام عند تفسير سورة القصص إن شاء لله تعالى.
قوله تعالى: " قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون " كلا للردع وهو متعلق بما ذكره من خوف القتل، ففيه تأمين له وتطييب لنفسه أنهم لا يصلون إليه، وأما سؤاله الارسال إلى هارون فلم يذكر ما أجيب به عنه، غير أن قوله: " فاذهبا بآياتنا " دليل على إجابة مسؤله.
وقوله: " فاذهبا بآياتنا " متفرع على الردع فيفيد أن اذهبا إليه بآياتنا ولا تخافا،