على جميع خلقه كالنور العام والرحمة العامة، وله أن يختص بفيض من فيوضه بعضا من خلقه دون بعض كالنور الخاص والرحمة الخاصة.
وقوله: " إن الله على كل شئ قدير " تعليل لقوله: " يخلق الله ما يشاء " فإن إطلاق القدرة على كل شئ يستوجب أن لا يتوقف شئ من الأشياء في كينونته على أمر وراء مشيته وإلا كانت قدرته عليه مشروطة بحصول ذلك الامر وهذا خلف.
وهذا باب من التوحيد دقيق سيتضح بعض الاتضاح إن شاء الله بما في البحث الآتي.
(بحث فلسفي) إنا لا نشك في أن ما نجده من الموجودات الممكنة معلولة منتهية إلى الواجب تعالى وإن كثيرا منها - وخاصة في الماديات - تتوقف في وجودها على شروط لا تحقق لها بدونها كالانسان الذي هو ابن فإن لوجوده توقفا على وجود الوالدين وعلى شرائط أخرى كثيرة زمانية ومكانية وإذ كان من الضروري كون كل مما يتوقف عليه جزء من علته التامة كان الواجب تعالى على هذا جزء علته التامة لا عله تامة أحدها.
نعم هو بالنسبة إلى مجموع العالم علة تامة إذ لا يتوقف على شئ غيره وكذا الصادر الأول الذي تتبعه بقية أجزاء المجموع، وأما سائر أجزاء العالم فإنه تعالى جزء علته التامة ضرورة توقفه على ما هو قبله من العلل وما هو معه من الشرائط والمعدات.
هذا إذا اعتبرنا كل واحد من الاجزاء بحياله ثم نسبنا وحده إلى الواجب تعالى.
وههنا نظر آخر أدق وهو أن الارتباط الوجودي الذي لا سبيل إلى إنكاره بين كل شئ وبين علله الممكنة وشروطه ومعداته يقضي بنوع من الاتحاد والاتصال بينها فالواحد من الاجزاء ليس مطلقا منفصلا بل هو في وجوده المتعين مقيد بجميع ما يرتبط به متصل الهوية بغيرها.
فالانسان الابن الذي كنا نعتبره في المثال المتقدم بالنظر السابق موجودا مستقلا مطلقا فنجده متوقفا على علل وشروط كثيرة والواجب تعالى أحدها يعود بحسب هذه النظرة هوية مقيدة بجميع ما كان يعتبر توقفه عليه من العلل والشرائط غير الواجب