تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٦٦
عبدت بني إسرائيل ولم تعبدني هذا، وأنت ترى أن فيه تقديرا لما لا دليل عليه من جهة اللفظ ولا إشارة.
ومنها: أنه إنكار لأصل النعمة عليه لمكان تعبيده بني إسرائيل كأنه يقول: إن تربيتك لي ليست نعمة يمن بها علي لأنك عبدت قومي فأحبطت به عملك فقوله: " أن عبدت " الخ في مقام التعليل للانكار هذا، وهذا الوجه وإن كان أقرب إلى الذهن من سابقة لكن هذا الجواب غير تام معنى فإن تعبيده لبني إسرائيل لا يغير حقيقة ما له من الصنيعة عند موسى في تربيته وليدا.
ومنها: أن المعني أن هذه النعمة التي تمن بها علي من التربية إنما سببه ظلمك بني إسرائيل بتعبيدهم فاضطرت أمي لذلك أن ألقتني في أليم فأخذتني فربيتني فإذ كانت هذه التربية مسببة عن ظلمك بالتعبيد فليست بنعمة هذا والشأن في إستفادة هذا المعنى من لفظ الآية.
ومنها: أن الذي رباني أمي وغيرها من بني إسرائيل حيث استعبدتهم فأمرتهم فربوني فليست هذه التربية نعمة منك تمنها علي لانتهائها إلى التعبيد ظلما هذا، وهذا الوجه أبعد من سابقة من لفظ الآية.
ومنها: أن ذلك اعتراف منه عليه السلام بنعمة فرعون عليه والمعنى وتلك التربية نعمة منك تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وتركت تعبيدي هذا وأنت خبير بأن لا دليل على ما قدره من قوله: وتركت تعبيدي. قوله تعالى: " قال فرعون وما رب العالمين - إلى قوله - من المسجونين " لما كلم فرعون موسى عليه السلام في معني رسالته قادحا فيها فتلقى الجواب بما كان فيه إفحامه أخذ يكلمه في خصوص مرسله وقد أخبره أن الذي أرسله هو رب العالمين فراجعه فيه واستوضحه بقوله: " وما رب العالمين "؟ إلى تمام سبع آيات.
واتضاح المراد منها يتوقف على تذكر أصول مذاهب الوثنية في أمر الربوبية وقد تقدمت الإشارة إليها في خلال الأبحاث السابقة من هذا الكتاب كرارا.
فهؤلاء يرون أن وجود الأشياء ينتهي إلى موجد واجب الوجود هو واحد لا شريك له في وجوب وجوده هو أجل من أن يحده حد في وجوده وأعظم من يحيط
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»
الفهرست