تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٢٣
يدل عليه ما تقدمه، والمعنى أنه قرب أن يصرفنا عن آلهتنا مضلا لنا لولا أن صبرنا على آلهتنا أي على عبادتها لصرفنا عنها.
وقوله: " وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا " توعد وتهديد منه تعالى لهم وتنبيه أنهم على غفلة مما سيستقبلهم من معاينة العذاب واليقين بالضلال والغي.
قوله تعالى: " أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا " الهوي ميل النفس إلى الشهوة من غير تعديله بالعقل، والمراد باتخاذ الهوى إلها طاعته واتباعه من دون الله وقد أكثر الله سبحانه في كلامه ذم اتباع الهوى وعد طاعة الشئ عبادة له في قوله: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن أعبدوني " يس: 61.
وقوله: " أفأنت تكون عليه وكيلا " استفهام إنكاري أي لست أنت وكيلا عليه قائما على نفسه وبأموره حتى تهديه إلى سبيل الرشد فليس في مقدرتك ذلك وقد أضله الله وقطع عنه أسباب الهداية وفي معناه قوله: " إنك لا تهدي من أحببت " القصص: 56، وقوله: " وما أنت بمسمع من في القبور " الفاطر: 22، والآية كالاجمال للتفصيل الذي في قوله: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله " الجاثية: 23.
ويظهر مما تقدم من المعنى إن قوله: " اتخذ إلهه هواه " على نظمه الطبيعي أي إن " اتخذ " فعل متعد إلى مفعولين و " إلهه " مفعوله الأول و " هواه " مفعول ثان له فهذا هو الذي يلائم السياق وذلك أن الكلام حول شرك المشركين وعدولهم عن عبادة الله إلى عبادة الأصنام، وإعراضهم عن طاعة الحق التي هي طاعة الله إلى طاعة الهوى الذي يزين لهم الشرك، وهؤلاء يسلمون أن لهم إلها مطاعا وقد أصابوا في ذلك، لكنهم يرون أن هذا المطاع هو الهوى فيتخذونه مطاعا بدلا من أن يتخذوا الحق مطاعا فقد وضعوا الهوى موضع الحق لا أنهم وضعوا المطاع موضع غيره فافهم.
ومن هنا يظهر ما في قول عدة من المفسرين أن " هواه " مفعول أول لقوله " اتخذ " و " إلهه " مفعول ثان مقدم، وإنما قدم للاعتناء به من حيث إنه الذي يدور
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست