تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٢٨
وحال شمول الموت الأرض والحاجة إلى الشرب والري للانعام والاناسي ثم إنزاله تعالى من السماء ماء طهورا ليحيي به بلدة ميتا ويسقيه أنعاما وأناسي كثيرا من خلقه كحال مد الظل ثم الدلالة عليه بالشمس ونسخه بها كما تقدم.
قوله تعالى: " ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا " ظاهر اتصال الآية بما قبلها أن ضمير " صرفناه " للماء وتصريفه بينهم صرفه عن قوم إلى غيرهم تارة وعن غيرهم إليهم أخرى فلا يدوم في نزوله على قوم فيهلكوا ولا ينقطع عن قوم دائما فيهلكوا بل يدور بينهم حتى ينال كل نصيبه بحسب المصلحة، وقيل:
المراد التصريف التحويل من مكان إلى مكان.
وقوله: " ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا " تعليل للتصريف أي وأقسم لقد صرفنا الماء بتقسيمه بينهم ليتذكروا فيشكروا فأبى وامتنع أكثر الناس إلا كفران النعمة.
قوله تعالى: " ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا " أي لو أردنا أن نبعث في كل قرية نذيرا ينذرهم ورسولا يبلغهم رسالاتنا لبعثنا ولكن بعثناك إلى القرى كلها نذيرا ورسولا لعظيم منزلتك عندنا. هكذا فسرت الآية ولا تخلو الآية التالية من تأييد لذلك، وهذا المعنى لما وجهنا به اتصال الآيات أنسب.
أو أن المراد أنا قادرون على أن نبعث في كل قرية رسولا وإنما اخترناك لمصلحة في اختيارك.
قوله تعالى: " فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا " متفرع على معنى الآية السابقة، وضمير " به " للقرآن بشهادة سياق الآيات، والمجاهدة والجهاد بذل الجهد والطاقة في مدافعة العدو وإذ كان بالقرآن فالمراد تلاوته عليهم وبيان حقائقه لهم وإتمام حججه عليهم.
فمحصل مضمون الآية أنه إذا كان مثل الرسالة الإلهية في رفع حجاب الجهل والغفلة المضروب على قلوب الناس بإظهار الحق لهم وإتمام الحجة عليهم مثل الشمس في الدلالة على الظل الممدود ونسخه بأمر الله، ومثل النهار بالنسبة إلى الليل وسبته، ومثل المطر بالنسبة إلى الأرض الميتة والانعام والاناسي الظامئة، وقد بعثناك لتكون
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»
الفهرست