وفي قوله: " ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا " رجوع إلى السياق السابق، وفي ذلك مع ذلك من إظهار العظمة والدلالة على الكبرياء ما لا يخفي.
والكلام في قوله الآتي: " وهو الذي جعلكم الليل " الخ، وقوله: " وهو الذي أرسل الرياح "، وقوله: " وهو الذي مرج البحرين "، وقوله: " وهو الذي خلق من الماء بشرا " كالكلام في قوله: " ألم تر إلى ربك " والكلام في قوله:
" وأنزلنا من السماء ماء " الخ، وقوله: " ولقد صرفناه بينهم "، وقوله: " ولو شئنا لبعثنا "، كالكلام في قوله: " ثم جعلنا الشمس ".
قوله تعالى: " وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا " كون الليل لباسا إنما هو ستره الانسان بغشيان الظلمة كما يستر اللباس لابسه.
وقوله: " والنوم سباتا " أي قطعا للعمل، وقوله: " وجعل النهار نشورا " أي جعل فيه الانتشار وطلب الرزق على ما ذكره الراغب في معنى اللفظتين.
وحال ستره تعالى الناس بلباس الليل وقطعهم به عن العمل والحركة ثم نشرهم للعمل والسعي بإظهار النهار وبسط النور كحال مد الظل ثم جعل الشمس عليه دليلا وقبض الظل بها إليه.
قوله تعالى: " وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا " البشر بالضم فالسكون مخفف بشر بضمتين جمع بشور بمعنى مبشر أي هو الذي أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته وهي المطر.
وقوله: " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " أي من جهة العلو وهي جو الأرض ماء طهورا أي بالغا في طهارته فهو طاهر في نفسه مطهر لغيره يزيل الأوساخ ويذهب بالأرجاس والاحداث - فالطهور على ما قيل صيغة مبالغة -.
قوله تعالى: " لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا "، البلدة معروفة قيل: وأريد بها المكان كما في قوله: " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه " الأعراف: 58، ولذا اتصف بالميت وهو مذكر والمكان الميت ما لا نبات فيه وإحياؤه إنباته، والاناسي جمع إنسان، ومعنى الآية ظاهر.