تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٢٥
قوله تعالى: " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا " هاتان الآيتان وما بعدهما إلى تمام تسع آيات في معنى التنظير لما تضمنته الآيتان السابقتان بل الآيات الأربع السابقة من أن الله سبحانه جعل رسالة الرسول لهداية الناس إلى سبيل الرشد وإنقاذهم من الضلال فيهتدي بها بعضهم ممن شاء الله وأما غيرهم ممن اتخذ إلهه هواه فصار لا يسمع ولا يعقل فليس في وسع أحد أن يهديهم من بعد الله.
فهى تبين أن ليس هذا ببدع من الله سبحانه ففي عجائب صنعه وبينات آياته نظائر لذلك ففعله متشابه وهو على صراط مستقيم، وذلك كمد الظل وجعل الشمس، دليلا عليه تنسخه، وكجعل الليل لباسا والنوم سباتا والنهار نشورا، وكجعل الرياح بشرا وإنزال المطر وإحياء الأرض الميتة وإرواء الانعام والاناسي به.
ثم ما مثل المؤمن والكافر في اهتداء هذا وضلال ذاك - وهم جميعا عباد الله يعيشون في أرض واحدة - إلا كمثل المائين العذب الفرات والملح الأجاج مرجهما الله تعالى لكن جعل بينهما برزخا وحجرا محجورا، وكالماء خلق الله سبحانه منه بشرا ثم جعله نسبا وصهرا فاختلف بذلك المواليد وكان ربك قديرا.
هذا ما يهدي إليه التدبر في مضامين الآيات وخصوصيات نظمها، وبه يظهر وجه اتصالها بما تقدمها، وأما ما ذكروه من أن الآيات مسوقة لبيان بعض أدلة التوحيد إثر بيان جهالة المعرضين عنها وضلالهم فالسياق لا يساعد عليه وسنزيد لك ايضاحا.
فقوله: " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا " تنظير - كما تقدمت الإشارة إليه - لشمول الجهل والضلال للناس ورفعه تعالى ذلك بالرسالة والدعوة الحقة كما يشاء ولازم ذلك أن يكون المراد بمد الظل ما يعرض الظل الحادث بعد الزوال من التمدد شيئا فشيئا من المغرب إلى المشرق حسب اقتراب الشمس من الأفق حتى إذا غربت كانت فيه نهاية الامتداد وهو الليل، وهو في جميع أحواله متحرك ولو شاء الله لجعله ساكنا.
وقوله: " ثم جعلنا الشمس عليه دليلا " والدليل هي الشمس من حيث دلالتها
(٢٢٥)
مفاتيح البحث: نهر الفرات (1)، الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»
الفهرست