بنورها على أن هناك ظلا وبانبساطه شيئا فشيئا على تمدد الظل شيئا فشيئا ولولاها لم يتنبه لوجود الظل فإن السبب العام لتمييز الانسان بعض المعاني من بعض تحول الأحوال المختلفة عليه من فقدان ووجدان فإذا فقد شيئا كان يجده تنبه لوجود وإذا وجد ما كان يفقده تنبه لعدمه، وأما الامر الثابت الذي لا تتحول عليه الحال فليس إلى تصوره بالتنبه سبيل.
وقوله: " ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا " أي أزلنا الظل بإشراق الشمس وارتفاعها شيئا فشيئا حتى ينسخ بالكلية، وفي التعبير عن الإزالة والنسخ بالقبض، وكونه إليه، وتوصيفه باليسير دلالة على كمال القدرة الإلهية وأنها لا يشق عليها فعل، وأن فقدان الأشياء بعد وجودها ليس بالانعدام والبطلان بل بالرجوع إليه تعالى.
وما تقدم من تفسير مد الظل بتمديد الفئ بعد زوال الشمس وإن كان معنى لم يذكره المفسرون لكن السياق - على ما أشرنا إليه - لا يلائم غيره مما ذكره المفسرون كقول بعضهم: إن المراد بالظل الممدود ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وقول بعض: ما بين غروب الشمس وطلوعها، وقول بعض: ما يحدث من مقابلة كثيف كجبل أو بناء أو شجر للشمس بعد طلوعها، وقول بعض - وهو أسخف الأقوال - هو ما كان يوم خلق الله السماء وجعلها كالقبة ثم دحا الأرض من تحتها فألقت ظلها عليها.
وفي الآية أعني قوله: " ألم تر إلى ربك " الخ، التفات من سياق التكلم بالغير في الآيات السابقة إلى الغيبة، والنكتة فيه أن المراد بالآية وما يتلوها من الآيات بيان أن أمر الهداية إلى الله سبحانه وليس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الامر شئ وهو تعالى لا يريد هدايتهم وأن الرسالة والدعوة الحقة في مقابلتها للضلال المنبسط على أهل الضلال ونسخها ما تنسخ منه من شعب السنة العامة الإلهية في بسط الرحمة على خلقه نظير إطلاع الشمس على الأرض ونسخ الظل الممدود فيها بها، ومن المعلوم أن الخطاب المتضمن لهذه الحقيقة مما ينبغي أن يختص به صلى الله عليه وآله وسلم وخاصة من جهة سلب القدرة على الهداية عنه، وأما الكفار المتخذون إلههم هواهم وهم لا يسمعون ولا يعقلون فلا نصيب لهم فيه.