عليه أمر التعجيب في قوله: " أرأيت من اتخذ " الخ، كما قاله بعضهم، أو إنما قدم للحصر على ما قاله آخرون، ولهم في ذلك مباحثات طويلة أغمضنا عن إيرادها وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله.
قوله تعالى: " أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا " أم منقطعة، والحسبان بمعنى الظن وضمائر الجمع راجعة إلى الموصول في الآية السابقة باعتبار المعنى. والترديد بين السمع والعقل من جهة أن وسيلة الانسان إلى سعادة الحياة أحد أمرين إما أن يستقل بالتعقل فيعقل الحق فيتبعه أو يرجع إلى قول من يعقله وينصحه فيتبعه أن لم يستقل بالتعقل فالطريق إلى الرشد السمع أو عقل فالآية في معنى قوله: " وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير "، الملك: 10.
والمعنى: بل أتظن أن أكثرهم لهم استعداد استماع الحق ليتبعه أو استعداد عقل الحق ليتبعه فترجو اهتداءهم فتبالغ في دعوتهم.
وقوله: " إن هم إلا كالانعام " بيان للجملة السابقة فإنه في معنى: أن أكثرهم لا يسمعون ولا يعقلون فتنبه أنهم ليسوا إلا كالانعام والبهائم في أنها لا تعقل ولا تسمع إلا اللفظ دون المعنى.
وقوله: " بل هم أضل سبيلا " أي من الانعام وذلك أن الانعام لا تقتحم على ما يضرها وهؤلاء يرجحون ما يضرهم على ما ينفعهم، وأيضا الانعام إن ضلت عن سبيل الحق فإنها لم تجهز في خلقتها بما يهديها إليه وهؤلاء مجهزون وقد ضلوا.
واستدل بعضهم بالآية على أن الانعام لا علم لها بربها. وفيه أن الآية لا تنفي عنها ولا عن الكفار أصل العلم بالله وإنما تنفي عن الكفار اتباع الحق الذي يهدي إليه عقل الانسان الفطري لاحتجابه باتباع الهوى، وتشبههم في ذلك بالانعام التي لم تجهز بهذا النوع من الادراك.
وأما ما أجاب به بعضهم أن الكلام خارج مخرج الظاهر فقول لا سبيل إلى إثباته بالاستدلال.