من قبل على إبراهيم وإسحاق وهما أبواك فأنه آتاهما خير الدنيا والآخرة فقوله: " من قبل " متعلق بقوله: " أتمها " وربما احتمل كونه ظرفا مستقرا وصفا لقوله " أبويك " والتقدير كما أتمها على أبويك الكائنين من قبل.
و " إبراهيم وإسحاق " بدل أو عطف بيان لقوله " أبويك " وفائدة هذا السياق الاشعار بكون النعمة مستمرة موروثة في بيت إبراهيم من طريق إسحاق حيث أتمها الله على إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف (ع) وسائر آل يعقوب.
ومعنى الآية: وكما رأيت في رؤياك يخلصك ربك لنفسه بانقائك من الشرك فلا يكون فيك نصيب لغيره، ويعلمك من تأويل الأحاديث وهو ما يؤل إليه الحوادث المصورة في نوم أو يقظة ويتم نعمته هذه وهى الولاية الإلهية بالنزول في مصر واجتماع الاهل والملك والعزة عليك وعلى أبويك واخوتك وانما يفعل ربك بك ذلك لأنه عليم بعباده خبير بحالهم حكيم يجرى عليهم ما يستحقونه فهو عليم بحالك وما يستحقونه من غضبه.
والتدبر في الآية الكريمة يعطى:
اولا: ان يعقوب أيضا كان من المخلصين وقد علمه الله من تأويل الأحاديث فأنه (ع) أخبر كما في هذه الآية بتأويل رؤيا يوسف وما كان ليخبر عن خرص وتخمين دون ان يعلمه الله ذلك.
على أن الله بعد ما حكى عنه لبنيه " يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة " الخ قال في حقه: " وانه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ".
على أنه بعد ما حكى عن يوسف في السجن فيما يحاور صاحبيه انه قال: " لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل ان يأتيكما ذلكما مما علمني ربى " فأخبر انه من تأويل الحديث وقد علمه ذلك ربه ثم علل التعليم بقوله: " انى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وبالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا ان نشرك بالله من شئ " الخ فأخبر انه مخلص - بفتح اللام - لله كآبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب نقى الوجود سليم القلب من الشرك مطلقا ولذلك علمه ربه فيما علمه تأويل الأحاديث والاشتراك في العلة كما ترى يعطى ان آباءه الكرام إبراهيم وإسحاق ويعقوب كهو مخلصون لله معلمون من تأويل الأحاديث.