(ع) وتأويل يوسف لرؤيا نفسه ورؤيا صاحبيه في السجن ورؤيا عزيز مصر وفيما يرجع إلى اليقظة ما حكاه عن يوسف في السجن بقوله: " قال لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل ان يأتيكما ذلكما مما علمني ربى " الآية 37 من السورة وكذا قوله: " فلما ذهبوا به واجمعوا ان يجعلوه في غيابت الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون " الآية 15 من السورة وسيوافيك توضيحه إن شاء الله تعالى.
وقوله: " ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب " قال الراغب في المفردات: النعمة (بالكسر فالسكون) الحالة الحسنة وبناء النعمة بناء الحالة التي يكون عليها الانسان كالجلسة والركبة والنعمة (بالفتح فالسكون) التنعم وبناؤها بناء المرة من الفعل كالضربة والشتمة والنعمة للجنس تقال للقليل والكثير.
قال: والانعام ايصال الاحسان إلى الغير ولا يقال الا إذا كان الموصل إليه من جنس الناطقين فإنه لا يقال: أنعم فلان على فرسه قال تعالى: " أنعمت عليهم " " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه " والنعماء بإزاء الضراء.
قال: والنعيم النعمة الكثيرة قال تعالى: " في جنات النعيم " وقال تعالى: " جنات النعيم " وتنعم تناول ما فيه النعمة وطيب العيش يقال: نعمه تنعيما فتنعم أي لين عيش وخصب قال تعالى: " فأكرمه ونعمه " وطعام ناعم وجارية ناعمة انتهى.
ففي الكلمة - كما ترى - شئ من معنى اللين والطيب والملائمة فكأنها مأخوذة من النعومة وهى الأصل في معناها وقد اختص استعمالها بالانسان لان له عقلا يدرك به النافع من الضار فيستطيب النافع ويستلئمه ويتنعم به بخلاف غيره الذي لا يميز ما ينفعه مما يضره كما أن المال والأولاد وغيرهما مما يعد نعمة يكون نعمة لواحد ونقمة لاخر ونعمة للانسان في حال ونقمة في أخرى.
ولذا كان القرآن الكريم لا يعد هذه العطايا الإلهية كالمال والجاه والأزواج والأولاد وغير ذلك نعمة بالنسبة إلى الانسان الا إذا وقعت في طريق السعادة ومنصبغة بصبغة الولاية الإلهية تقرب الانسان إلى الله زلفى وأما إذا وقعت في طريق الشقاء وتحت ولاية الشيطان فإنما هي نقمة وليست بنعمة والآيات في ذلك كثيرة.