تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٧٩
ثم اكد ذلك بقوله ثانيا في مقام التعليل: " ان الشيطان للانسان عدو مبين " أي ان لكيدهم سببا آخر منفصلا يؤيد ما عندهم من السبب الذي هو الحسد ويثيره ويهيجه ليؤثر اثره السئ وهو الشيطان الذي هو عدو للانسان مبين لا خلة بينه وبينه ابدا يحمل الانسان بوسوسته وتسويله على أن يخرج من صراط الاستقامة والسعادة إلى سبيل عوج فيه شقاء دنياه وآخرته فيفسد ما بين الوالد وولده وينزع بين الشقيق وشقيقه ويفرق بين الصديق وصديقه ليضلهم عن الصراط.
فكأن المعنى: قال يعقوب ليوسف (ع): يا بنى لا تقصص رؤياك على اخوتك فإنهم يحسدونك ويغتاظون من امرك فيكيدونك عندئذ بنزغ واغراء من الشيطان وقد تمكن من قلوبهم ولا يدعهم يعرضوا عن كيدك فان الشيطان للانسان عدو مبين.
قوله تعالى: " وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب " إلى آخر الآية الاجتباء من الجباية وهى الجمع يقال: جبيت الماء في الحوض إذا جمعته فيه ومنه جبايه الخراج أي جمعه قال تعالى: " يجبي إليه ثمرات كل شئ " القصص:
57 ففي معنى الاجتباء جمع اجزاء الشئ وحفظها من التفرق والتشتت، وفيه سلوك وحركة من الجابى نحو المجبى فاجتباه الله سبحانه عبدا من عباده هو ان يقصده برحمته ويخصه بمزيد كرامته فيجمع شمله ويحفظه من التفرق في السبل المتفرقة الشيطانية المفرقة للانسان ويركبه صراطه المستقيم وهو ان يتولى امره ويخصه بنفسه فلا يكون لغيره فيه نصيب كما أخبر تعالى بذلك في يوسف (ع) إذ قال: " انه من عبادنا المخلصين " الآية 24 من السورة.
وقوله: " ويعلمك من تأويل الأحاديث التأويل " هو ما ينتهى إليه الرؤيا من الامر الذي تتعقبه، وهو الحقيقة التي تتمثل لصاحب الرؤيا في رؤياه بصورة من الصور المناسبة لمداركه ومشاعره كما تمثل سجدة أبوي يوسف واخوته الاحد عشر في صورة أحد عشر كوكبا والشمس والقمر وخرورها امامه ساجدة له، وقد تقدم استيفاء البحث عن معنى التأويل في تفسير قوله تعالى: " فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله " الآية آل عمران: 7 في الجزء الثالث من الكتاب.
والأحاديث جمع الحديث وربما أريد به الرؤي لأنها من حديث النفس فان نفس
(٧٩)
مفاتيح البحث: السب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست