تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٧٨
نائبة، ولا يلقى مصيبة، الا وهو ذاكر لها مستظهر بعناية الله سبحانه عليها موطن نفسه على الصبر عليها.
وهذه هي الحكمة في أن الله سبحانه يخص أولياءه بالبشرى بجمل ما سيكرمهم به من مقام القرب ومنزلة الزلفى كما في قوله: " الا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون - إلى أن قال - لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة " يونس: 64.
قوله تعالى قال: " يا بنى لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين " ذكر في المفردات: ان الكيد ضرب من الاحتيال، وقد يكون مذموما وممدوحا وان كان يستعمل في المذموم أكثر وكذلك الاستدراج والمكر.
انتهى وقد ذكروا ان الكيد يتعدى بنفسه وباللام.
والآية تدل على أن يعقوب لما سمع ما قصه عليه يوسف من الرؤيا أيقن بما يدل عليه ان يوسف (ع) سيتولى الله امره ويرفع قدره، يسنده على أريكة الملك وعرش العزة، ويخصه من بين آل يعقوب بمزيد الكرامة فاشفق على يوسف (ع) وخاف من اخوته عليه وهم عصبة أقوياء ان لو سمعوا الرؤيا - وهى ظاهرة الانطباق على يعقوب (ع) وزوجه واحد عشر من ولده غير يوسف، وظاهره الدلالة على أنهم جميعا سيخضعون ويسجدون ليوسف - حملهم الكبر والانفة ان يحسدوه فيكيدوا له كيدا ليحولوا بينه و بين ما تبشره به رؤياه. ولذلك خاطب يوسف (ع) خطاب الاشفاق كما يدل عليه قوله: " يا بنى بلفظ التصغير، ونهاه عن اقتصاص رؤياه على اخوته قبل ان يعبرها له وينبئه بما تدل عليه رؤياه من الكرامة الإلهية المقضية في حقه، ولم يقدم النهى على البشارة الا لفرط حبه له وشدة اهتمامه به واعتنائه بشأنه، وما كان يتفرس من اخوته انهم يحسدونه وانهم امتلئوا منه بغضا وحنقا.
والدليل على بلوغ حسدهم وظهور حنقهم وبغضهم قوله: " لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا " فلم يقل انى أخاف ان يكيدوا، أو لا آمنهم عليك بتفريع الخوف من كيدهم أو عدم الامن من جهتهم بل فرع على اقتصاص الرؤيا نفس كيدهم واكد تحقق الكيد منهم بالمصدر - المفعول المطلق - إذ قال: " فيكيدوا لك كيدا
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»
الفهرست