تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٨٠
الانسان تصور له الأمور في المنام كما يصور المحدث لسماعه الأمور في اليقظة فالرؤيا حديث مثله ومنه يظهر ما في قول بعضهم ان الرؤي سميت أحاديث باعتبار حكايتها والتحديث بها وهو كما ترى.
وكذا ما قيل: انها سميت أحاديث لأنها من حديث الملك ان كانت صادقة ومن حديث الشيطان ان كانت كاذبة. انتهى وفيه انها ربما لم تستند إلى ملك ولا إلى شيطان كالرؤيا المستندة إلى حالة مزاجية عارضة لنائم تأخذه حمى أو سخونة اتفاقية فتحكيها نفسه في صورة حمام يستحم فيه أو حر قيظ ونحوهما أو يتسلط عليه برد فتحكيه نفسه بتصوير الشتاء ونزول الثلج ونحوهما.
ورده بعضهم بأنه يخالف الواقع فان رؤيا يوسف ليس فيها حديث وكذا رؤيا صاحبيه في السجن ورؤيا ملك مصر انتهى وقد اشتبه عليه معنى الحديث وظن أن المراد بقولهم: ان الرؤيا من حديث الملك أو الشيطان الحديث على نحو التكليم باللفظ وليس كذلك بل المراد ان المنام يصور له القصة أو حادثا من الحوادث بصورة مناسبة كما أن تصوره المتكلم اللافظ يصور ذلك بصورة لفظية يستدل بها السامع على الأصل المراد وهذا كما يقال لمن يقصد أمرا ويعزم على فعل أو ترك انه حدثه نفسه ان يفعل كذا أو يترك كذا أي انه يصوره فأراد فعله أو تركه كأن نفسه حدثته بأنه يجب عليك كذا أو لا يجوز لك كذا وبالجملة معنى كون الرؤيا من الأحاديث انها من قبيل تصور الأمور للنائم كما يتصور الانباء والقصص بالتحديث اللفظي فهى حديث اما ملكي أو شيطاني أو نفسي كما تقدم لكن الحق انها من أحاديث النفس بالمباشرة وسيجئ استيفاء البحث في ذلك إن شاء الله تعالى هذا.
لكن الظاهر المتحصل من قصته (ع) المسرودة في هذه السورة ان الأحاديث التي علمه الله تعالى تأويلها أعم من أحاديث الرؤيا وانما هي الأحاديث أعني الحوادث والوقائع التي تتصور للانسان أعم من أن تتصور له في يقظة أو منام فان بين الحوادث والأصول التي تنشأ هي منها والغايات التي تنتهى إليها اتصالا لا يسع انكاره وبذلك يرتبط بعضها ببعض فمن الممكن ان يهتدى عبد بإذن الله تعالى إلى هذه الروابط فينكشف له تأويل الأحاديث والحقائق التي تنتهى هي إليها.
ويؤيده فيما يرجع إلى المنام ما حكاه الله تعالى من بيان يعقوب تأويل رؤيا يوسف
(٨٠)
مفاتيح البحث: الصدق (1)، الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»
الفهرست