تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٧٤
فصار قميصه بعينه وقد أرسله بيد اخوته من مصر إلى أبيه آخر يوم هو السبب في عود بصره إليه، وعلى هذا القياس.
وبالجملة كلما نازعه شئ من الأسباب المخالفة أو اعترضه في طريق كماله جعل الله تعالى ذلك هو السبب في رشد امره ونجاح طلبته، ولم يزل سبحانه يحوله من حال إلى حال حتى آتاه الحكم والملك واجتباه وعلمه من تأويل الأحاديث وأتم نعمته عليه كما وعده أبوه.
وقد بدء الله سبحانه قصته بذكر رؤيا رآها في بادئ الامر وهو صبي في حجر أبيه والرؤيا من المبشرات ثم حقق بشارته وأتم كلمته فيه بما خصه به من التربية الإلهية، وهذا هو شأنه تعالى في أوليائه كما قال تعالى: " الا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم " يونس: 64.
وفى قوله تعالى بعد ذكر رؤيا يوسف وتعبير أبيه ع لها: " لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين " اشعار بأنه كان هناك قوم سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عما يرجع إلى هذه القصة، وهو يؤيد ما ورد إن قوما من اليهود بعثوا مشركي مكة ان يسألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن سبب انتقال بني إسرائيل إلى مصر وقد كان يعقوب (ع) ساكنا في ارض الشام فنزلت السورة.
وعلى هذا فالغرض بيان قصته (ع) وقصة آل يعقوب، وقد استخرج تعالى ببيانه ما هو الغرض العالي منها وهو طور ولاية الله لعباده المخلصين كما هو اللائح من مفتتح السورة ومختتمها، والسورة مكية على ما يدل عليه سياق آياتها، وما ورد في بعض الروايات عن ابن عباس إن أربعا من آياتها مدنية، وهى الآيات الثلاث التي في اولها، وقوله " لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين " مدفوع بما تشتمل عليه من السياق الواحد.
قوله تعالى: " الر تلك آيات الكتاب المبين " الإشارة بلفظ البعيد للتعظيم والتفخيم، والظاهر أن يكون المراد بالكتاب المبين هذا القرآن المتلو وهو مبين واضح في نفسه ومبين موضح لغيره ما ضمنه الله تعالى من المعارف الإلهية وحقائق المبدء والمعاد.
وقد وصف الكتاب في الآية بالمبين لا كما في قوله في أول سورة يونس: " تلك آيات الكتاب الحكيم " لكون هذه السورة نازلة في شأن قصة آل يعقوب وبيانها، ومن المحتمل أن
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»
الفهرست