(بيان) تذكر الآيات رؤيا رآها يوسف وقصها على أبيه يعقوب (ع) فعبرها أبوه له ونهاه ان يقصها على اخوته، وهذه الرؤيا بشرى بشر الله سبحانه يوسف بها ليكون مادة روحية لتربيته تعالى عبده في صراط الولاية والقرب من ربه، وهى بمنزلة المدخل في قصته (ع).
قوله تعالى: " إذ قال يوسف لأبيه يا أبت انى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رايتهم لي ساجدين " لم يذكر يعقوب (ع) باسمه بل كنى عنه بالأب للدلالة على ما بينهما من صفة الرحمة والرأفة والشفقة كما يدل عليه ما في الآية التالية: " قال يا بنى لا تقصص " الخ.
وقوله: " رأيت " و " رأيتهم " من الرؤيا وهى ما يشاهده النائم في نومته أو الذي خمدت حواسه الظاهرة باغماء أو ما يشابهه، ويشهد به قوله في الآية التالية: " لا تقصص رؤياك على اخوتك " وقوله في آخر القصة: " يا أبت هذا تأويل رؤياي ".
وتكرار ذكر الرؤية لطول الفصل بين قوله " رأيت " وقوله " لي ساجدين " ومن فائد التكرير الدلالة على أنه انما رآهم مجتمعين على السجود جميعا لا فرادى. على أن ما حصل له من المشاهدة نوعان مختلفان فمشاهدة اشخاص الكواكب والشمس والقمر مشاهدة أمر صوري ومشاهدة سجدتهم وخضوعهم وتعظيمهم له مشاهدة أمر معنوي.
وقد عبر عن الكواكب والنيرين في قوله: " رأيتهم لي ساجدين " بما يختص بأولى العقل - ضمير الجمع المذكر وجمع المذكر السالم - للدلالة على أن سجدتهم كانت عن علم وإرادة كما يسجد واحد من العقلاء لآخر.
وقد افتتح سبحانه قصته (ع) بذكر هذه الرؤيا التي أراها له وهى بشرى له تمثل له ما سيناله من الولاية الإلهية ويخص به من اجتباء الله إياه وتعليمه تأويل الأحاديث واتمام نعمته عليه، ومن هناك تبتدئ التربية الإلهية له لان الذي بشر به في رؤياه لا يزال نصب عينيه في الحياة لا يتحول من حال إلى حال، ولا ينتقل من شأن إلى شأن، ولا يواجه