تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٧٥
يكون المراد بالكتاب المبين اللوح المحفوظ.
قوله تعالى: " إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " الضمير للكتاب بما انه مشتمل على الآيات الإلهية والمعارف الحقيقية، وانزاله قرآنا عربيا هو الباسه في مرحلة الانزال لباس القراءة والعربية، وجعله لفظا متلوا مطابقا لما يتداوله العرب من اللغة كما قال تعالى في موضع آخر: " انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون، وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم " الزخرف: 4.
وقوله: " لعلكم تعقلون " من قبيل توسعة الخطاب وتعميمه فان السورة مفتتحة بخطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " تلك آيات الكتاب "، وعلى ذلك يجرى بعد كما في قوله: " نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك " الخ.
فمعنى الآية - والله أعلم - انا جعلنا هذا الكتاب المشتمل على الآيات في مرحلة النزول ملبسا بلباس اللفظ العربي محلى بحليته ليقع في معرض التعقل منك ومن قومك أو أمتك، ولو لم يقلب في وحيه في قالب اللفظ المقرو أو لم يجعل عربيا مبينا لم يعقل قومك ما فيه من اسرار الآيات بل اختص فهمه بك لاختصاصك بوحيه وتعليمه.
وفي ذلك دلالة ما على أن لألفاظ الكتاب العزيز من جهة تعينها بالاستناد إلى الوحي وكونها عربية دخلا في ضبط اسرار الآيات وحقائق المعارف، ولو أنه اوحى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه وكان اللفظ الحاكي له لفظه صلى الله عليه وآله وسلم كما في الأحاديث القدسية مثلا أو ترجم إلى لغة أخرى خفى بعض اسرار آياته البينات عن عقول الناس ولم تنله أيدي تعقلهم وفهمهم.
وعنايته تعالى فيما اوحى من كتابه باللفظ مما لا يرتاب فيه المتدبر في كلامه كيف؟
وقد قسمه إلى المحكمات والمتشابهات وجعل المحكمات أم الكتاب ترجع إليها المتشابهات قال تعالى: " هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " آل عمران: 7 وقال تعالى أيضا: " ولقد نعلم أنهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين " النحل: 103.
قوله تعالى: " نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين " قال الراغب في المفردات: القص تتبع الأثر يقال: قصصت اثره، والقصص الأثر قال: فارتدا على آثارهما قصصا، وقالت لأخته قصيه. قال:
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست