تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٥٢
أهل العصمة ولم يبق للنهي حينئذ معنى، وليس المراد بالذين ظلموا الظالمين أي المتلبسين بهذا الوصف المستمرين في ظلمهم فان لإفادة الفعل الدال على مجرد التحقق معنى الصفة الدالة على التلبس والاستمرار أسبابا لا يوجد في المقام منها شئ ولا دلالة لشئ على شئ جزافا.
بل المراد بالذين ظلموا أناس حالهم في الظلم حال أولئك الذين قصهم الله في الآيات السابقة من الأمم الهالكة، وكان الشأن في قصتهم انه تعالى اخذ الناس جملة واحدة في قبال الدعوة الإلهية المتوجهة إليهم ثم قسمهم إلى من قبلها منهم وإلى من ردها ثم عبر عمن قبلها بالذين آمنوا في بضعة مواضع من القصص المذكورة وعمن ردها بالذين ظلموا وما يقرب منه في أكثر من عشر مواضع كقوله: " ولا تخاطبني في الذين ظلموا " وقوله:
" واخذت الذين ظلموا الصيحة " وقوله: " وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد " وقوله: " الا ان ثمود كفروا ربهم " وقوله: " الا بعدا لمدين كما بعدت ثمود " إلى غير ذلك.
فقد عبر سبحانه عن ردهم وقبولهم قبال الدعوة الإلهية وبالقياس إليها بالفعل الماضي الدال على مجرد التحقق والوقوع، واما في الخارج من مقام القياس والنسبة فان التعبير بالصفة كقوله: " وقيل بعدا للقوم الظالمين " وقوله: " وما هي من الظالمين " وقوله: " ولا تتولوا مجرمين " إلى غير ذلك وهو كثير.
ومقتضى مقام القياس والنسبة إلى الدعوة قبولا وردا ان يكتفى بمجرد الوقوع والتحقق، ويبين انهم وسموا بإحدى السمتين: الايمان أو الظلم، ولا حاجة إلى ذكر الاتصاف والاستمرار بالتلبس فمفاد قوله: ظلموا وعصوا واتبعوا أمر فرعون انهم وسموا بسمة الظلم والعصيان واتباع أمر فرعون، ومعنى نجينا الذين آمنوا نجينا الذين اتسموا بسمة الايمان وتعلموا بعلامته.
فكان التعبير بالماضي كافيا في إفادة أصل الاتسام المذكور وان كان مما يلزمه الاتصاف، وبعبارة أخرى الذين ظلموا من قوم نوح صاروا بذلك ظالمين لكن العناية انما تعلقت بحسب المقام بتحقق الظلم منهم لا بصيرورته وصفا لهم لا يفارقهم بعد ذلك، ولذا ترى انه كلما خرج الكلام عن مقام القياس والنسبة بوجه عاد إلى التعبير بالصفة كقوله:
(٥٢)
مفاتيح البحث: الظلم (7)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست